وولت الأيام التى تجلى فيها سلطان بنى أمية وانبثقت قوة الإسلام من ناحية أخرى سوى الشام، ومع ذلك فإن هجمات العرب والبربر وجدت لها مخرجًا جديدًا فى جزائر البحر المتوسط، فمنذ أيام موسى عليه السلام راح القراصنة يزعجون هذه البقاع وينشرون الرعب القاتل بين أهل جزائر قورشقة وسردانية وصقلية، وفى سنة ٧٠٥ م كانت سراقوسة ضحية للسلب مرة أخرى، إلا أن الإفريقيين كانوا هم السالبين هذه المرة، وظل الإفريقيون يعودون المرة بعد المرة طوال هذا القرن إلى كنزهم ويقومون بجهود محدودة حيال الجزيرة؛ وبلغ من شدة أثر هذه الغارات وإزعاجها للقوم أن الشريف غريغورى ظن أنه قد أحسن صنعا بعقده معاهدة مع العرب سنة ٨١٣ مدتها عشر سنوات، وقد احترم العرب نصوص هذه المعاهدة، ولكن الجائزة كانت مغرية كل الإغراء، وكان استنجاد يوفيميوس Euphemius السراقوسى بالعرب لدفع عدوان ميشيل المتلعثم سنة ٨٢٧ ذريعة جاءت فى وقتها للقيام بغزو شامل، فقد أنفذ زيادة اللَّه الأغلبى صاحب القيروان سفنه المائة من سوسة فى الثالث عشر من يونيه، وبدأ الغزو الحقيقى لصقلية، ويختفى يوفيميوس من المسرح، ويتصدر العربى وحده التاريخ فى بضعة القرون التالية.
وقاد أسد بن الفرات حملة جمعت خليطا من المقاتلة؛ فقد جُنِّد رجال الحاشية فى القيروان الذين يصعب، قيادهم فرقًا زودت بالجنود من اليمن وخراسان، ومن الشام والمغرب، وكانوا جميعا من المتطوعين، وهاجموا مازر Mazara أول مدينة فى الجزيرة وأخضعوها، ثم جربوا قوتهم فى حملتهم على سراقوسة، ولكن الطاعون أشاع الفوضى فى صفوفهم وسلبهم حتى قائدهم، وكانت الأحوال فى وطنهم خطيرة حقًا ولم يكن بينهم خالد آخر يحفزهم إلى النصر، وكان عليهم أن يفكوا الحصار، على أن غمّهم ما لبث أن انقلب يأسا عندما رأوا أن أسطول