من نقص المؤن، وساور أمورى الشك فى الحصول على نصر كامل فآثر أن يفاوض صلاح الدين وأن يعقد معه الصلح لقاء مبلغ جسيم من المال، وربما كان الحسد والخوف قد فعلا فعلهما فى نفسه؛ وكان نور الدين قد غزا فى الوقت نفسه حوران وتهيأ لرد كرات الفرنجة، إلا أنه حدث زلزال مروع سنة ٥٦٥ هـ (١١٧٠ م) أصاب المدن الشامية بدمار هائل، فاضطر الفرنجة والمسلمون على السواء إلى إلقاء أسلحتهم والشروع فى إعادة بناء المدن التى أصابها التدمير؛ وقام صلاح الدين فى السنة التالية (٥٦٦) بغزوة على فلسطين وتقدم حتى بلغ الرملة وعسقلان، ثم عاد إلى مصر ليستعد للاستيلاء على ميناء أيلة على البحر الأحمر، وليكفل الاتصال شيئًا فشيئًا بين مصر وفلسطين، ونجح فى السنة نفسها فى الاستيلاء على أيلة، وفى السنة التالية (٥٦٧) أجاب نور الدين إلى رغبته فحذف اسم الخليفة الفاطمى من خطبة الجمعة، واستمر فى ذكر اسم الخليفة العباسى، وسرعان ما توفى الخليفة العاضد بعد ذلك، ويخالجنا الشك فى أنه مات ميتة طبيعية، ويقول الكتاب المسيحيون إنه إما أن يكون قد انتحر وإما أن يكون توران شاه أخو صلاح الدين قد قتله عملا بأوامر أخيه، ويقال إن نور الدين قد سره كل السرور أن ينتهى حكم الفاطميين، وعندما بلغ مسامع الخليفة العباسى نبأ امتداد رقعة أراضيه أرسل بعض كساوى التشريف إلى نور الدين، على أن هذه الكساوى لم تكن تليق بمركز نور الدين (بوصفه واليا)، ومن ثمّ فإنه، وإن كان قد ارتداها فعلا، فقد أرسلها فى الحال مع رسول الخليفة إلى صلاح الدين.
وسرعان ما غشيت سحابة العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين، ذلك أن صلاح الدين فى القاهرة كان يعد فى نظره مستقلا أكثر مما يجب، فقد كان معه أبوه وإخوته، وبذلك خلت يد نور الدين من الرهائن، فلما أراد صلاح الدين تنفيذ خطته الخاصة بتأمين المواصلات بين مصر وفلسطين اقترح على نور الدين حصار الشوبك والكرك، وخرج هو ليقوم بهذا الحصار، على أنه