عندما رحل نور الدين إلى الكرك نصح صلاح الدين أمراؤه بألا يشخص إليه، خشية على سلامته، وعمل بنصحهم وعاد أدراجه، واعتذر بعدم استقرار الأحوال فى مصر، وغضب نور الدين لذلك، وحشد الجند لقتال صلاح الدين، وعرف هذا الأمر فى بلاط صلاح الدين فرأى بعض أمرائه أن يقاتل، إلا أن أباه كان يخشى من هيبة نور الدين العظيمة فنصحه بأن يكتب إليه خطابًا يعلن فيه طاعته، ومن ثم عادت العلاقات بينهما إلى التحسن، إلا أن الشك الذى كان يساور كل منهما حيال الآخر لم يتبدد، ومن ثمّ لم يتم الاستيلاء على المدينتين المذكورتين الكرك والشوبك، بل إن صلاح الدين لم يبذل ما وسعه من الجهد لعون مولاه على الصليبيين، وقصد صلاح الدين الكرك فى السنة التالية، ولكنه انسحب مرة أخرى معتذرا بمرض أبيه عندما تقدم نور الدين، ثم استقر قرار صلاح الدين فى هذا الموقف العسير على أن يكفل لنفسه ولأسرته مركزًا مأمونا على نحو يرضى نور الدين، فأوفد أخوه توران شاه سنة ٥٦٩ هـ (١١٧٣/ ٤ م) فى حملة على عبد النبى الشيعى الذى كان قد استولى على اليمن، وأفلح توران شاه فى طرده وغزا اليمن، وعمل على أن يذكر اسمه فى الخطبة بعد الخليفة بوصفه واليا، وأرسل الرسل إلى صلاح الدين الذى أبلغ الأمر إلى نور الدين والخليفة، على أن مركز صلاح الدين كان لا يزال مهددا، وخاصة أنه اضطر إلى مواجهة فتنة أخرى فى ربيع ذلك العام، وقرر نور الدين حينئذ أن يمتشق الحسام لقتاله، وكان معظم السبب فى ذلك أنه غضب لازدياد سطوة الصليبيين من جراء نكوص صلاح الدين، وكان قد حشد جيشا حين دهمه مرض خطير فى دمشق، وتوفى بعد بضعة أيام فى الحادى عشر من شوال (١٥ من مايو)، ومن ثمّ تخلص صلاح الدين من هم ثقيل وأصبح حرا فى دعم سلطانه، ثم اعترف بالملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الذى كان قد بلغ الحادية عشرة من عمره، وانصرف بشخصه إلى قتال النورمانديين الذين ينزلون صقلية، وكانوا قد ظهروا أمام الإسكندرية بأسطول قوى فى نهاية عام ٥٦٩ هـ