شيد الملك بلدوين فى العام التالى (٥٧٤ هـ = ١١٧٨ م) حصنا على جسر بنات يعقوب فوق نهر الأردن، مكنه من السيطرة على هذا النهر وعلى السهل الممتد حتى بانياس، ولم يكن فى مقدور صلاح الدين أن يحول بينه وبين ذلك، وعرض صلاح الدين على الملك تعويضا قدره ١٠٠.٠٠٠ دينار إذا أقلع عن هذا البناء، ولكنه لم يفز بطائل، فاضطر إلى الحملة على الحصن، وأنفذ ابن أخيه وأقدر قواده عز الدين فرخ شاه للحملة على بلدوين الذى أصيب بنكسة فى أواخر سنة ٥٧٤ هـ (مايو ١١٧٩ م)، وأفلح صلاح الدين بعد انقضاء سنة فى أن يلحق به هزيمة نكراء فى مرج العيون فى الثانى من المحرم سنة ٥٧٥ هـ (١٠ يونيه سنة ١١٧٩ م)، ووقع فى الأسر عدد كبير من الفرنجة المشهورين واستولى صلاح الدين بعد شهرين على الحصن القائم على جسر بنات يعقوب وسّواه بالأرض، ولم يقع قتال على نطاق واسع فى السنة التالية؛ وفى المحرم من سنة ٥٧٦ هـ (يونيه - ١١٨٠ م) عقد بلدوين هدنة مدتها سنتان مع صلاح الدين، وفى السنة التالية توفى إسماعيل صاحب حلب وابن نور الدين؛ وقد خلفه ابن عمه عز الدين مسعود الذى أوصى له وهو على فراش الموت، وكان جنديا مقتدرا إلا أنه بادل أخاه زنكى الثانى سنجار بحلب رغبة منه فى الحصول على أملاك موحدة، وفى هذه الأثناء نشبت الحرب بين صلاح الدين والفرنجة على إثر الغزوات المتصلة التى كان يقوم بها راينالد ده شاتييون Raynald de Chatillion أمير الكرك، على القوافل المتجهة إلى مصر؛ على أن زنكى الثانى عقد الصلح مع الفرنجة، بيد أن صلاح الدين سعى إلى أن يسيطر وحده على بلاد المسلمين وشغل نفسه فى بضع السنوات التالية بغزو بقية الشام (حلب)، وكان ذلك فى صفر سنة ٥٧٩ هـ (يونية ١١٨٣ م)، والسيطرة على أرض الجزيرة باحتلال أهم المدن وردها إقطاعات كما كانت، ولم يكن ثمة صلح دائم مع الصليبيين، ولكن الجانبين تفاديا القتال على نطاق واسع، وفى السنة نفسها عقد صلح مدته أربع سنوات بين بلدوين الخامس، الوصى على رايموند الثالث Raymond III أمير