١١٨٧ م)؛ وضرب صلاح الدين خيامه أول الأمر غربى المدينة، ودافع أهلها عن أنفسهم دفاعا مجيدا، بيد أنه عندما هاجم المدينة من مركز أكثر صلاحية فى الشمال واستخدم المنجنيقات لقذف القذائف الثقيلة اضطرت المدينة إلى التسليم فى نهاية الشهر؛ واستطاع أهل اليسار أن يفتدوا أنفسهم، أما أولئك الذين لم يستطيعوا افتداء أنفسهم فقد بيعوا عبيدا، ولكن بعض ذوى المكانة من المسلمين والنصارى تدخلوا فى الأمر فأطلق سراح بضعة آلاف أسير، كما أن صلاح الدين نفسه أطلق سراح عدد كبير من الفقراء، ولم يسمح بالإقامة إلا لعدد قليل من المرضى ومن تعهدوا بأداء ضريبة الرؤوس، ودمر كل ماله علاقة بالدين المسيحى، ورممت قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وشيدت المستشفيات والمدارس فى ذكرى هذه المناسبة العظيمة، وزاد كثير من أمراء الأيوبيين من جلال هذه الأيام بحضورهم وبما شيدوا من عمائر فخمة. ويمكننا أن نقول إن العالم الإسلامى كله قد شارك فى الاحتفال بالاستيلاء على بيت المقدس وكان ذلك أمنية يصبو المسلمون إلى تحقيقها. وأعقب هذا النصر استيلاء صلاح الدين على المدن والحصون التى كانت لا تزال مسيحية عنوة أو بغير قتال، ولم يبق فى يد المسيحيين إلا أنطاكية وطرابلس وصور وعدد من البلدان والحصون الصغيرة، على أن سوء الحظ لازم صلاح الدين بقية العام، ذلك أنه أخطأ فلم يفسح لجيشه الضعيف الذى أنهكه التعب الوقت ليسترد قوته بل مضى يحاصر صور، فمنى بهزيمة شديدة نتيجة لاستبسال حاميتها فى الدفاع عنها وما صادفه فى البحر من نكبات؛ وأعيد بناء عكا وتحصينها بعد مشاورات طويلة عقدها مع أميره قرقوش، وكان قرقوش قد أثبت كفايته بتشييد قلعة القاهرة، وحمل صلاح الدين حملة فاشلة على كوكب، ثم شخص إلى دمشق. وفى ربيع الثانى سنة ٥٨٤ هـ (يونية ١١٨٨ م) دعا أمراء المسلمين فى الشام وبلاد الجزيرة وجنودهم للقيام بحملة جديدة، واستولى خلال القتال الذى نشب من بعد على اللاذقية وجبلة وصهيون وسرمين وبرزوية، ثم عقد هدنة