سنة ١١٩٣ م) وتوفى بعد ذلك بأربعة عشر يوما وهو فى الخامسة والخمسين من عمره؛ وقد آلت دمشق إلى ابنه الأكبر ونال ابنه الثانى حلب، وكانت مصر من نصيب ابن ثالث، وكان من نصيب أخيه الملك العادل شمالى بلاد العرب وبلاد ما بين النهرين، وزالت وحدة أملاكه بعد وفاته ببضع سنوات، ولم يكن من المرجح حتى لو امتد به الأجل، أن يستطيع إقناع أفراد أسرته بأن يتفقوا فيما بينهم اتفاقا معقولا، على أنه لم يتعرض فى حياته قط أو يكاد لموقف اضطره إلى قتال فرد من أفراد أسرته، فما كان من المستطاع النيل من سلطانه وهو الذى قام على أساس من المقدرة والرحمة والتقوى، ولم يكن الطمع من خصاله، فقد تهيأت له الفرصة مرتين: مرة عند وفاة الخليفة الفاطمى العاضد وأخرى عند وفاة الأتابك نور الدين، ليجمع ثروة طائلة، إلا أنه وزع كنوز الخليفة على جنده وحاشيته، ولم يمس ثروة نور الدين بل سلمها لابنه؛ لقد كان متعصبًا ضد الصليبيين بوصفهم مجموعة لا بوصفهم أفرادًا, ولم يكن متعصبا ضد الرعايا المسيحيين الذين فى دولته، وإن كان عندما اعتلى العرش قد نفذ فى البداية القوانين الخاصة بملابس المسيحيين واليهود تنفيذا أكثر صرامة، وقد نهج النهج نفسه الذى انتهجه نور الدين، ويمكن وصفه بأنه بطل الردة السنية عن الشيعية (الفارسية) فى العمارة والأسلوب وكتابة الوثائق الرسمية. وفى السنوات الأخيرة من حكمه كانت العلاقات طيبة بين المسلمين والنصارى، ويبدو أن ريتشارد قد أنعم على بعض المسلمين بلقب فارس، مثل الملك الكامل بن الملك العادل؛ وكان صلاح الدين محبوبًا موقرًا من شعبه، ولا يزال هو والسلطان بيبرس وهارون الرشيد أشهر الشخصيات فى الشرق حتى اليوم، وهو يعد فى أوربا مثالا للشهامة والمروءة، والحق إنه لم يكن قاسيًا قط فى غير ما تدعو إليه القسوة، بل كثيرًا ما دعته شهامته إلى إطلاق سراح