من الأسرى أن يسلموا، واتفق على إطلاق سراح رجال الحامية نظير دفع ٢٠٠.٠٠٠ قطعة من الذهب، وانقضى شهر دون أن يدفع هذا المبلغ، فأمر ريتشارد بأن يقتل ٣٠٠٠ أسير من أسرى الحرب، ولقد كان من نتيجة هذا العمل الوحشى الذى استنكره الإخباريون المسيحيون أيضًا، أن قتل المسلمون كل من كان لديهم من أسرى المسيحيين؛ وسرعان ما استولى ريتشارد بعدئذ على قيصرية وحصَّن يافا، على حين دمر صلاح الدين حصن الرملة، ثم استمرت مفاوضات الصلح منذ ذلك الحين ودون انقطاع تقريبا بين الجانبين المتقاتلين، وكان محورها الأكبر الملك العادل أخا صلاح الدين، وكان الطلبان الجوهريان اللذان طلبهما المسلمون هما التنازل عن بيت المقدس، وتسليم الصليب المقدس؛ واقترح ريتشارد بعدئذ، وكان رجلا تستحوذ عليه الأفكار الرومانسية، أن تتزوج أخته الملك العادل الذى كان من المنتظر أن يحكم بيت المقدس، وانتهج سياسة التوفيق والمسالمة فأدت إلى الصلح شيئًا فشيئا، ثم أنعم بلقب فارس على الملك الكامل ابن الملك العادل؛ وعقد الصلح بعد بضعة مواقع أخرى فى ٢٣ من شعبان سنة ٥٨٨ هـ (٢ نوفمبر سنة ١١٩٢)، وقسمت اللد والرملة وسويت عسقلان بالأرض وسمح للصليبيين بأن يحجوا إلى الأماكن المقدسة دون أن يحملوا سلاحا؛ وكان السبب الرئيسى الذى حدا بريتشارد إلى عقد الصلح هو مرضه ورغبته فى العودة إلى انجلترا، وكذلك انقطاع النجدات من أوربا؛ وبالرغم من الجهود التى بذلتها أوربا بأسرها، أصبح الجانب الأكبر من فلسطين على الإسلام تحت إمرة صلاح الدين، فيما عدا شقة الأرض التى تحاذى الساحل، وأمنت أسباب الاتصال بين فلسطين والقاهرة؛ وكان صلاح الدين على علاقة طيبة ببوهموند أمير أنطاكية، ونعم صلاح الدين بالسلام فى بضعة الأشهر التالية التى قدر له أن يحياها، وحصن بيت المقدس، ثم سار على مهل إلى دمشق حيث استقبله الأهالى بالتهليل والتكبير حوالى آخر ذى القعدة (آخر نوفمبر)؛ وقضى الشتاء فيها مع أسرته، ثم دهمه المرض فى صفر سنة ٥٨٩ هـ (فبراير