مرة أخرى؛ على أن البطريرك أحلهما من قسمهما فشرعا يحاصران عكا وهما يعتمدان على معاونة فريدريك الأول ملك ألمانيا وريتشارد الأول ملك إنجلترا وفيليب الثانى ملك فرنسا، وقوَّت من ساعدهما أول الأمر النجدات المتواصلة التى كانت تفد من كثير من البلاد الأوروبية، وقد وضح عندئذ نشاط صلاح الدين فى أجلى صوره، فقد عرف الصليبيون فى هذا القتال الذى استمر بضع سنوات السلطان العظيم وتعلموا كيف يقدرونه.
وقاد الملك جى الفرنجة إلى عكا بعد استعداد دام شهرين، ثم وصل صلاح الدين فى اليوم التالى، ونشب القتال للاستيلاء على المدينة بالبر والبحر، وقد امتاز الصليبيون على المسلمين بأن الحامية كانت فى عزلة عن البحر أو تكاد وكانت تعانى أيضًا من نقص المؤن، زد على ذلك أن الصليبيين بالرغم من أنه لم يلحق بهم فى عكا إلا عدد قليل جدا من الفرسان الألمان نظرا لوفاة فريدريك الأول، فقد كانوا يتفوقون تفوقا لاشك فيه على العرب بفضل وصول جيش فيليب وبخاصة جيش ريتشارد الأول، وبفضل استمرار وصول السفن التى تحمل المؤن والجنود، ثم إنه كان فى حورة الصليبيين مدافع حصار غاية فى الجودة، على حين كان عند المسلمين بعض الصناع المهرة الذين يصنعون القنابل الحارقة. وقد امتاز صلاح الدين على الصليبيين بالقيادة الموحدة بالرغم من أن جيشه كان قد أضناه قتال السنوات الطوال حتى إن معاونة حامية عكا ما كانت لتفيده كثيرا، ومن ثم تمرد جيشه آخر الأمر، وعرقل مساعى الصليبيين ما نشب بينهم من خلاف وما ثار من تنافس بين الملك جى والكونت مونت فرًّا وكذلك التنافس بين ريتشارد وفيليب، وزخرت السنوات التالية بالقتال فى البر والبحر، وحاول صلاح الدين عبثا أن يحصل على جيوش جديدة من الشرق مستعينا بتدخل الخليفة، وفى السابع من جمادى الآخرة سنة ٥٨٧ هـ (١٢ يوليه ١١٩١ م) استسلمت الحامية من تلقاء نفسها دون أن تنتظر قرار صلاح الدين، وفرض على الحصن ومن فيه