ابن نجاح المخيم فى غفلة من أهله، وقتلوا عليًا وأخاه عبد اللَّه، فعم الحزن أرجاء المخيم، وأبقى سعيد على حياة بعض الأمراء الذين كانوا مع علىّ واتخذهم رهائن، إلا أن جل الجيش لقى حتفه، وكان بين الأسرى الملكة أسماء ابنة شهاب وأم الملك المكرم، وقد حملها سعيد معه إلى زبيد قصبة أبيه التى فتحت أبوابها عندئذ لسعيد.
وفرض سعيد حراسة قوية على أسماء فلم تتمكن من أن ترسل إلى ابنها خطابا إلا سنة ٤٧٥ هـ (١٠٨٢ - ١٠٨٣ م) أخبرته فيه بأنها حملت من سعيد، كتبت هذا لتستحث المكرم على إنقاذها بأقصى ما يستطيع من سرعة، وكان سلطان المكرم قد تضاءل إلى حد كبير، ذلك أن معظم الإمارات الموالية له أعلنت استقلالها بأمر نفسها مثل حكام عدن. وقد حث المكرم أتباعه فى صنعاء على أن ينتقموا لشرف قبيلتهم، وملكهم، فحملوا على زبيد، وكان يدافع عنها ٢٠.٠٠٠ رجل من الأحباش، على حين كان قوام جيش المكرم فيما يقال: ستة آلاف رجل فحسب؛ وقد تولى هو نفسه قيادة قلب جيشه، أما الجناحان فقادهما أسعد بن شهاب أخو زوجته وعم من أعمام الملكة، ودارت معركة حامية الوطيس اقتحم إثرها المكرم المدينة، وكان هو واثنان من أتباعه أو من بلغ المكان الذى فيه أمه، وأمر بإنزال رأس أبيه وعمه وكانا مرفوعين على عمودين، ودفنهما بما يليق بهما من تجلة واحترام، ثم نصب أخا زوجته أسعد بن شهاب واليا على تهامة ورحل ومعه أمه إلى صنعاء. وتوفيت أسماء فى صنعاء سنة ٤٧٩ هـ (١٠٨٦ م). وقد سك المكرم فى السنة نفسها عملة جديدة اسمها الدينار المالكى، وظلت هذه الوحدة النقدية معمولا بها مدة طويلة؛ على أن أولاد نجاح الذين كانوا قد فروا إلى جزائر البحر الأحمر، عادوا إلى زبيد فى السنة نفسها وطردوا أسعد ونصبوا أنفسهم سادة على زبيد وتهامة، وعاد المكرم فاستولى على زبيد ولقى سعيد بن نجاح حتفه تحت أسوارها سنة ٤٨١ هـ (١٠٨٨ م) أما أخوه جياش فقد هرب مع وزيره إلى الهند عن طريق عدن، على أنهما لم يبقيا فيها إلا ستة أشهر ثم عادا إلى اليمن واستوليا من جديد على مدينة زبيد.