ويبدو أن المكرم كان واليًا تعوزه المقدرة، ونحن نجد فى التاريخ الإسلامى مشهد، فريدًا لامرأة، هى زوجته الملكة سيدة، تسهم بنصيب وافر فى إدارة شئون الدولة، وقد ولدت سيدة سنة ونشأت فى رعاية الملكة السابقة أسماء، وتزوجت بالمكرم سنة ٤٦١ هـ، وأنجبت له أربع أولاد، ابنين وبنتين؛ وأفرط المكرم بعد وفاة أمه فى الشراب وانغمس فى الملذات وسلم مقاليد الأمور فى الدولة إلى زوجته فطلبت منه أن يطلق يدها فى تصريف الأمور؛ وكان من أول ما قامت به من الأعمال أن غادرت صنعاء واتخذت مقرها فى ذى جبلة بموضع كان قد أسسه عبد اللَّه بن محمد الصليحى الذى لقى حتفه مع على فى المهجم سنة ٤٥٨ هـ؛ ومن ثم نقلت قصبة البلاد إلى ذى جبلة؛ وقد شيد قصر وجامع دفنت فيه سيدة من بعد. وكانت هى السبب فى مقتل سعيد بن نجاح. وتوفى المكرم سنة ٤٨٤ هـ (١٠٩١ م) ولم يكن له عقب على قيد الحياة، فأوصى بمنصب الداعى إلى سبأ بن أحمد بن المظفر بن على الصليحى، على أنه لم يستول على ذى جبلة حيث كانت الملكة سيدة تحكمها بموافقة أشراف البلاد وأهلها, ولذلك صرف سبأ همه أولًا إلى غزو تهامة ومدينة زبيد، ولكن جيش جياش هاجمه على غرة فنجا بشق الأنفس وهرب إلى معقله تعكر، ثم راسل الخليفة الفاطمى المستنصر وتلقى منه خطابا أمر فيه سيدة بالزواج من سبأ، ونقل إليها هذا الخطاب فى ذى جبلة، وبعد تردد كثير وافقت على الزواج وحدد المهر، وجاء سبأ شخصيًا إلى قصبتها لعقد الزواج، ولكن ترفعها وغير ذلك من الأسباب حالت بينه وبين إتمام عقد الزواج، فقضى ليلة واحدة رحل بعدها إلى مقره دون أن يبرم هذا العقد.
وقد اعتمدت الملكة بعد هذا جل الاعتماد على المفضل بن أبى البركات، وكانت قد وهبته حصن تعكر الذى يقع على جبل من أعلى الجبال يشرف على تهامة، وهناك كانت كنوز الصليحيين محفوظة، وقد ألفت الملكة أن تجعله مقرها فى الصيف وتعود إلى ذى جبلة لقضاء فصل الشتاء. وقد استعادت بفضل المفضل دخلها من عدن كما دانت لها بعض الشئ الأراضى المنخفضة،