وقد غزاها الإسكندر الأكبر ودمرها، ولكن ذلك لم يقض على أهمية هذه القصبة الزاهرة إلا إلى حين، وإن كان قد انتهى إلى نتيجة هامة ثابتة هى أن هذه المدينة الجزرية قد وصلها من ثم بالبر الأصلى سد الإسكندر الذى اتسع اتساعا مطردًا حتى غدا برزخا بفعل المواد الرسوبية التى حملتها التيارات الساحلية الجنوبية الغربية. وكانت مدينة بالاتيروس (أشو الأشورية) تقوم منذ عهد ضارب فى القدم على البر الأصلى تجاه هذه المدينة الجزرية. وكانت صور أيضا فى عهد الإمبراطورية الرومانية هى القصبة الدنيوية والدينية للولاية التى عرفت فى اليونانية باسم.
وقد استولى شرحبيل بن حسنة على صور وصفَّورية وغيرهما من بلدان هذا الإقليم بعد احتلاله دمشق (البلاذرى، طبعة له غوى، ص ١١٦؛ Annali dell' islam: Caetani مجلد ٢، جـ ٢، الفصل ٢١ جـ ٣، الفصل ١٠٧) وقد جاء فى الكتاب المنحول للواقدى (فتوح الشام، طبعة القاهرة ١٢٨٧ هـ، جـ ٣، ص ٥٨ وما بعدها) أن الاستيلاء على صور قد تم بخيانة أمير حلب عبد اللَّه بوقنا. ويقول الواقدى وهشام ابن الليث الصورى أن معاوية قد أصلح عكا وصور أثناء حملته على قبرص (٢٧ هـ)، وفى سنة ٤٢ هـ أتى بمستعمرين من الفرس، من بعلبك وحمص وأنطاكية وأسكنهم مدن الأردن أى صور وعكا وغيرهما (البلاذرى: المصدر المذكور، ص ١١٧) ويستشهد هشام بن الليث الصورى الذى ذكرناه آنفا يقول من نقل عنهم: نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وخلق من الروم ثم نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا كذلك جميع سواحل الشام، وفى سنة ٤٩ هـ أغار الأسطول الإغريقى على مدن الشام الساحلية التى لم يكن قد أقيم فيها بعد دور للصناعة (البلاذرى: المصدر المذكور؛ محبوب المنجبى: كتاب العنوان الذى نشره فاسيلف فى Patrol. Orient جـ ٨، ص ٤٩٢).
ومن هنا أقام معاوية أحواضًا للسفن فى عكا لإقليم الأردن. وجدد عبد الملك بن مروان صور وقيسارية