وظلت صور، بعد هذا التسليم الذى هو أقصى ما بلغه الصليبيون من سلطان فى الشام، فى أيدى الفرنجة حتى سنة ١٢٩١ م.
ويتحسر ابن الأثير على سقوط صور ويعده من النكبات الفادحة التى أصيب بها العالم الإسلامى، ذلك أن صورا كانت من أجمل الثغور وأمنعها ثم يزيد:"فاللَّه يعيده إلى الإسلام".
وفى سنة ٥٢٨ هـ (١١٣٣/ ١١٣٤ م) خرب شمس الملوك (بورى) صاحب دمشق، بعد غارة شنها الفرنجة على إقليم طبرية، صور وسائر البلاد الساحلية ثم عاد عن طريق الشعراء حاملًا غنائم عظيمة. وظهر أسطول مصرى سنة ٥٥٠ هـ (١١٥٥/ ١١٥٦ م) فى ميناء صور وأغرق السفن التابعة للحجاج المسيحيين وغيرها، وعاد بكثير من الأسرى والغنائم النفيسة. وفى سنة ٥٥٢ هـ (١١٥٧ م) ألم زلزال بصور وصيداء وبيروت وطرابلس وغيرها من البلدان فأصابها بخسائر.
وبين أيدينا أوصاف لصور منذ عهد الصليبيين كتبها الإدريسى وابن جبير. ويبدى الإدريسى إعجابه بمصنوعاتها الزجاجية والفخارية وبقماش نفيس بالغ الرقة واللطف كان ينسج فيها. وقضى ابن جبير بها أحد عشر يومًا، فزودنا بوصف مفصل للمدينة ولاحتفال رائع أقيم بها أثناء زيارته. وكان لصور من ناحية البر ما بين ثلاثة أبواب وأربعة أبواب متعاقبات. وكان الداخل إلى المدينة من البحر بين برجين مرتفعين فيبلغ ميناء (ميناء صيداء القديمة) من أجمل موانى مدن الساحل جميعًا. وكانت الأسوار تكتنف هذا الميناء من ثلاثة جوانب، أما الجانب الرابع فكان يكتنفه سور فى أسفله مدخل معقود ترسو تحته السفن. وهذا المرفأ الداخلى كان يمكن إغلاقه بسلسلة ضخمة تمد بين البرجين.
ولما استولى صلاح الدين على بيت المقدس وعلى معظم المدن الساحلية مضى يحاصر صور وأقام معسكره أمامها (وكان ذلك فى الخامس من رمضان سنة ٥٨٣، أو فى ٩ منه فى رواية آخرين = ٨ أو ١٢ نوفمبر سنة ١١٨٧ م) واضطر أول الأمر إلى