الانتظار حتى يتم إعداد جيشه, فاستدعى ابنه الملك الظاهر من حلب وأخاه الملك العادل من بيت المقدس للانضمام إليه، وكان معه ابنه الثانى الأفضل وابن أخيه تقى الدين. وما إن قدم جنود الحصار بمنجنيقاتهم حتى بدءوا يقذفون المدينة بالقذائف من أبراج متحركة. وأخذت عشر سفن من عكا تضرب حصارًا على الميناء. ولكن أسطول الفرنجة باغتها ودمر بعضها أو أغرقه، وردت هجمة على أسوارها. وعقد صلاح الدين مجلس حرب فقرر تأجيل الحصار إلى العام التالى بالنظر إلى قرب حلول الشتاء. وبدأ صلاح الدين وجيشه الانسحاب فى اليوم الثانى من ذى القعدة سنة ٥٨٤ (= ٣ يناير سنة ١١٨٨ فى رواية بهاء الدين، ويقول ابن الأثير إن ذلك كان فى آخر شوال أى فى أول يناير سنة ١١٨٨ م. ولم يكد محاصروها يرتدون عنها حتى دب النزاع بين الملك كى ده لوزينيان، الذى كان قد عاد وشيكا من الأسر، والمدافع المغوار عن المدينة كونراد ده مونتفرا.
وقد كان عجز صلاح الدين عن الاستيلاء على هذا الثغر المنيع نكسة فى سجل انتصاراته الحربية. وكانت صور هى وشقيف أرنون هما المعقلان الوحيدان اللذان بقيا فى يد الفرنجة. وقد اجتمعت فى صور الجيوش القوية فى الحرب الصليبية الثالثة. ذلك أنه قد تدفقت عليها حاميات المدن التى استولى عليها صلاح الدين وتمكن من تحريرها باذلا الكثير من آيات البطولة. ومنها قام صلاح الدين بضرب الحصار على عكا فصرف ذلك انتباهه كله عن صور.
وفى اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الثانى سنة ٥٨٨ (٢٩ أبريل سنة ١١٩٢) اغتال الإسماعيلية المركيز كونراد الذى كان آنئذ يعيش فى صور بصفته ملك بيت المقدس. وقد عقد خليفته هنرى له شامبانى صلح الرملة مع صلاح الدين (سبتمبر سنة ١١٩٢) وقضى هذا الصلح بأن يظل الساحل من يافا إلى صور فى يد الفرنجة.
ولما قامت حامية تبنين بحملة على صور وخربت أرباضها، بدأ الصليبيون فى أول صفر سنة ٥٩٤ (١٣ ديسمبر