للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلاف حكم الفقه) (١٢٤) ولا أن ينام بالنهار لكيلا يحس بالجوع والعطش فهما سر الصوم وروحه، لأنهما يكسران سلطان الشهوات؛ وكسر الشهوات، لا الإمساك، هو الغرض من الصوم، وهو السبيل إلى القرب من اللَّه؛ والغزالى يخلص إلى عدم جدوى صوم من يعمل فى أثناء الإفطار على إتلاف ثمرة الصوم، وهؤلاء هم الذين يقول الرسول فيهم "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش".

إن التصور الخلقى للصوم، وهو ما يبينه الغزالى فى هذا الفصل، يكمل بحسب رأيه، الأحكام الجافة الموجودة عند الفقهاء، لكنه بحسب إحساسنا كثيرًا ما يتعارض معها. ونحن نجد فى الحديث كثيرًا أحاديث عدة ذات صبغة خلقية، والغزالى لا يفوته أن يذكرها لتأييد رأيه.


(١٢٤) يشير الغزالى فى عصره إلى العادة التى لا تتفق مع الغرض من الصوم ونجدها فى عصرنا، وتلك هى ادخار جميع الأطعمة لرمضان بحيث يؤكل فيه ما لا يؤكل فى عدة أشهر. وهذا يزيد فى انبعاث الشهوات التى هى وسائل الشيطان.
على أن كاتب المادة يقول: إن هذا على خلاف حكم الفقه. وهذا خلط منه لأن الفقه لا يأمر الناس أن يأكلوا فى رمضان أكثر مما يأكلون فى غيرها أما الحقيقة فهى أن الغزالى يبين الفرق بين حكم الفقهاء على صحة الصوم وحكم الصوفية، فالمعانى التى يذكرها الغزالى معان ليست ضد ما يقول به الفقهاء، لكن الفقهاء لا يتكلمون فيها، والصوفية يهتمون بتصحيح العبادات وجعلها عبادات روحية، بالروح وفى الروح.
والفقيه يحكم على صحة الصوم بظاهر ما يرى وهو الإمساك عن الطعام والشراب. والصوفى يحكم على صحة الصوم بحسب ما يجب أن يكون معه من أحوال باطنة وأخلاق، ولا تعارض بين الطرفين الفقيه يحكم فى الغالب على صحة الصوم طبقًا للشريعة. والصوفى يحكم على الصوم الروحى وقبوله عند اللَّه وكم من صوفى فقيه وفقيه صوفى.
لكن هذا لا يمنع وجود قوم يتعبدون بالظاهر دون الباطن. وقد ذكر الغزالى المقصود من الصوم عند الصوفية وهو "التخلق بخلق من أخلاق اللَّه عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة فى الكف عن الشهوات، بحسب الإمكان فينهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها. فكلما انهمك فى الشهوات انحط إلى أسفل سافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة، والملائكة مقربون من اللَّه عز وجل والذى يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من اللَّه عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب وليس القرب ثم بل بالصفات. وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأى جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك فى الشهوات الأخرى طول النهار".