للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشافعية، ويذكر فى الفصل الثالث الأيام التى يستحب فيها صيام التطوع، وذلك كما يفعل الفقيه. لكنه يقول فى الفصل الثانى إن أدق المراعاة لأحكام الصوم فى الظاهر ليست صوما بالمعنى الحقيقى. ويميز الغزالى فى الصوم بين ثلاث درجات: الدرجة الأولى (هى الصوم فى نظر الفقه) هى درجة الأنبياء والصديقين والمقربين الذين صومهم كفٌّ عن كل الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، والدرجة الثانية هى درجة الصالحين، وهى تتلخص فى حفظ الحواس والجوارح من الآثام (١٢٣)، ويجب على الإنسان أن يترك ما ينافى الغاية من الصوم، فلا يصح أن يأكل عند الأفطار أكثر وأحسن مما يأكل فى العادة (هذا على


(١٢٣) يقول كاتب المادة هنا: "وعن كل الأشياء الصارفة عن اللَّه"، وهذا فى الحقيقة خاص بالدرجة الثالثة، درجة الأنبياء، والأفضل أن نسوق كلام الغزالى نفسه لدقته فى التقسيم ولوضوحه: "اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، أما صوم العموم فهو كشف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص فهو كشف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عفا سوى اللَّه عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر فى هذا الصوم بالفكر فيما سوى اللَّه عز وجل واليوم الآخر وبالفكر فى الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف فى نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطينة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل اللَّه عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود؛ وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين". ويفصل الغزالى صوم الصالحين على صورته الكاملة وتمامها بستة أمور:
١ - غض البصر وكفه عن الاتساع فى النظر إلى ما هو حرام وما يلهى القلب عن ذكر اللَّه. ٢ - حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة. . . وشغله بذكر اللَّه. ٣ - كف السمع عن الإصغاء إلى المحرمات. ٤ - كشف بقية الجوارح عن الآثام واجتناب أكل الحرام "فلا معنى للصوم، وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام مثال من يبنى قصرا ويهدم مصرًا فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله. وقد قال [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، فقيل هو الذى يفطر على الحرام، وقيل هو الذى يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل هو الذى لا يحفظ جوارحه عن الآثام". ٥ - عدم الاستكثار من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوف. فما من وعاء أبغض إلى اللَّه من بطن ملئ من حلال، وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو اللَّه وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه فى ألوان الطعام؟ ! " ويذكر الغزالى فيما يتعلق بحفظ الجوارح كلها أحاديث كثيرة. المترجم