الأروقة بوصفها مساكن لطلبة الأزهر, كما أن هذه الحادثة لم تتكرر فى العصرين الفاطمى والأيوبى، فضلاً على أن الخليفة العزيز لم يأمر بإيوائهم داخل الجامع، بل بنى لهم دار، بجوار الأزهر.
ولم يبدأ استخدام الأروقة مساكن للطلبة إلا فى عصر متأخر هو عصر دولتى المماليك البحرية والشراكسة، ثم شهد العصر العثمانى نشاطاً ملحوظاً فى إنشاء أروقة جديدة. وانكمشت بعد ذلك حركة بناء الأروقة فى عصر محمد على وخلفائه؛ فلم يشيد محمد على سوى رواق السنَّارية لطلبة "سنار" الوافدين من السودان؛ أما رواق الحنفية فقد شرع عباس الأول فى بنائه, وأتمه راتب باشا؛ وأما الرواق العباسى فقد بنى على عهد الخديو عباس حلمى الثانى, وإحتفل بافتتاحه فى سنة ١٣١٥ هـ (١٨٩٧ - ١٨٩٨ م).
كانت الأروقة تكفل للطلبة حياة متكاملة فى جوانبها العقلية والروحية والجسمية؛ وكان لكل رواق كبير مكتبة يشرف عليها قيِّم. وكان فى معظم الأروقة أماكن تسمى خلوات، يتعبد فيها الطلبة.
وكان طلبة الأروقة يحرصون على تلاوة ما يتيسر من القرآن الكريم فرادى فى جميع ليالي الأسبوع، وفى ليلة أو أكثر من ليلة كانوا يقرأون القرآن العظيم قراءة جماعية، وفقا لنظام الرَّبعات. وكانوا يستذكرون دروسهم ليلًا فى ضوء قناديل تستمر موقدة طوال الليل.
وكانت الأروقة تظل مفتوحة طوال شهور السنة، بما فيها العطلة السنوية، وهى أشهر رجب وشعبان ورمضان، فضلَا عن العطلات الموسمية، كعيد الأضحى، والمولد النبوى الشريف. وكان يسمح لمن شاء من الطلبة بالإقامة المتصلة طيلة سنوات دراستهم. وكان يستفيد من هذه الرخصة الطلبة الغرباء والمصريون على السواء. وكان يحول دون عودة الطلبة الغرباء إلى أوطانهم كثرة نفقات السفر، وبعد الشقة، وطول الوقت. أما المصريون فكانوا فريقين: طلبة أقاصى الصعيد، وكانوا لا يرجعون عادة إلا بعد إنتهاء دراستهم،