فيستقبلهم ذووهم بحفاوة، ويقيمون لهم الولائم. ويتمثل الفريق الثانى فى بعض طلبة الوجه البحرى وأقاليم الصعيد القريبة، وكانوا يقضون العطلة فى القاهرة، يتلون القرآن الكريم فى السهرات الدينية، ويترددون على مكتبات الأروقة، وينسخون الكتب الصغيرة استعداداً للعام الدراسى المقبل.
وكان الطلبة الغرباء يلتحقون بالأزهر فى سن تجاوز العشرين عامًا، بعد أن يكونوا قد اكتسبوا قسطا من العلم فى بلادهم، ليستكملوا دراساتهم العليا. وكانوا فى حياتهم الخاصة والعلمية يترفعون عن الصغائر، ويحافظون على كرامتهم، وكانت تربطهم بزملائهم المصريين أواصر المودة. وكان من عادة الطلبة الغرباء أنَّهم إذا اعتزم أحدهم العودة إلى بلاده بعد إنتهاء دراسته أن يقيم قبيل سفره حفلاً فى رواقه، يدعو إليه طلبة الرواق، وأصدقاءه من طلبة الأروقة الأخرى، وشيوخ الأروقة، وبعض العلماء. وكان الرواق يُضاء بالشموع، ويجتمع فيه المدعوون بعد صلاة العشاء، ويبدأ الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم يطاف عليهم بأكواب من الشراب، وأطباق من الحلوى والنقل ثم القهوة. ويلقى بعض زملاء الطالب قصائد وخطباً، يشيدون فيها بغزارة علمه وسمو أخلاقه، ويتمنون له توفيقا فى حياته. ويرد عليهم الطالب بكلمة شكر؛ وينتهى الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
لعل أهم خصيصة من خصائص أروقة الأزهر أنها لم تطبق سياسة التمييز العنصرى على الطلبة الغرباء، ولم تأخذ بنظام الطبقية، فكانت الأروقة تستقبل بنى الإسلام دون تمييز عنصرى أو طبقى أو لونى أو اقتصادى. وكانت سياسة الباب المفتوح، التى أخذت بها الأروقة فى قبول الطلبة، تطبيقا عمليا لمبادئ الإسلام. وقامت الأروقة بدور بارز فى دعم الترابط بين الشعوب الإسلامية فى المشرق والمغرب. وكان لها فى سبيل دعم هذا الترابط وسيلتان: كانت الوسيلة الأولى جبهة شعبية واسعة، تمثلت فى الطلبة الغرباء؛ وكان هؤلاء