يعودون إلى أوطانهم بعد انتهاء دراستهم، يحملون تقديرًا عميقا لأساتذتهم فى الأزهر، ويحتفظون بصداقات لزملائهم الطلبة المصريين، ويكتنزون فى عقولهم حصيلة علمية غزيرة اكتسبوها خلال عكوفهم على الدراسة فى الأزهر سنوات طوالاً، ثم كانوا يظفرون بتقدير عميق من مواطنيهم، وسرعان ما يشغلون المناصب القيادية فى مجالات القضاء والإفتاء والتدريس وغير ذلك من المراكز المرموقة، ويحتفظون بأجمل الذكريات عن السنوات التى أمضوها فى أروقة الأزهر، وعن الأوقات التى قضوها دارسين فى الحلقات الدراسية على أيدى العلماء. ويظل الأزهر بأروقته وحلقاته وعلمائه الأفذاذ مقرونًا فى أذهانهم بذكر مصر فى مجال الضيافة، ومجال الريادة فى الدراسات العليا، الدينية واللغوية والأدبية. ولا يلبث أن
يشد الرحال إلى مصر مواطنون آخرون، لينهلوا العلم من موطنه فى الأزهر، ويسيروا على نهج من سبقوهم، ثم ينطلقوا عائدين إلى أوطانهم، ناشرين الثقافة الإسلامية.
وتسير عجلة الزمان، ويتوالى توافد الطلبة من أرجاء العالم الإسلامى كافة على الأزهر وأروقته.
أما الوسيلة الأخرى فى دعم الترابط بين الشعوب الإسلامية فقد تمثلت فى الصفرة الممتازة فى المجتمعات الإسلامية فى المشرق والمغرب، ونعنى بها كبار علماء المسلمين، وقد بهرتهم المكانة العلمية التى سما إليها الأزهر فى عصر دولتى المماليك البحرية والشراكسة، وفى العصر العثمانى؛ فوفدوا إليه، وبعد أن ينزلوا ضيوفا على بعض كبار علماء الأزهر، كانوا ينتقلون إلى أروقة الطلبة الوافدين، حيث ينزل كل عالم فى الرواق المخصص لأبناء إقليمه. ويستأنفون نشاطهم العلمى؛ فيتصدرون الحلقات الدراسية؛ فإذا فرغوا منها انصرفوا إلى الأروقة، عاكفين على التأليف العلمى. وعلى هذا النحو كانوا يقضون بقية حياتهم فى الأزهر وأروقته، حتى يدركهم الموت، أو يعودوا إلى أوطانهم. ومن أشهر هؤلاء ابن خلدون، وشمس الدين الفنارى، والمقرى، والزبيدى، وابن سودة المرى الفاسى.