وقد احتل الوندال طرابلس حوالى سنة ٤٣٩ م، وظلوا يحكمونها حتى سنة ٥٣٥ م فيما عدا الفترة التى استغرقتها حملة هرقل Heraclius، والتى أنفذت من بوزنطة سنة ٤٦٨؛ وقد غزا بليزاريوس Belisarius ولاية إفريقية القديمة سنة ٥٣٣ م، ثم سير أيضًا جيشًا إلى طرابلس، وبذلك يمكن أن نقول إن طرابلس كانت خاضعة للدولة الرومانية الشرقية منذ سنة ٥٣٥ م؛ والظاهر أن المذهب الكاثوليكى الذى اضطرب حبله بسبب غزو الوندال الآريين وفتن القبائل فى الداخل عاد فازدهر فى طرابلس نحو قرن من الزمان.
والمؤرخون غير متفقين على تاريخ الاحتلال الإسلامى، فيذهب بعضهم إلى أنه حدث سنة ٢٢ هـ (٦٤٢ - ٦٣٤ م) ويذهب البعض الآخر إلى أنه حدث بعد ذلك بسنة ولعل طلائع غزاة مصر من العرب قد اندفعوا حتى بلغوا طرابلس سنة ٢٢ هـ، ثم أنفذت حملة أخرى إليها سنة ٢٣ هـ.
ومن المعروف أن الحملات الإسلامية الأولى كانت أقرب إلى الغارات منها إلى الفتح، ذلك أن المغيرين لم يوطدوا أقدامهم فى ذلك الحين لا فى داخل ولاية طرابلس ولا فى طرابلس نفسها، وإنما حدث فى تاريخ متأخر أن اجتازها عبد اللَّه بن سعيد ومعه عقبة بن نافع، وكان ذلك سنة ٢٦ هـ (٦٤٧ - ٦٤٨ م)؛ وتغلغل عقبة بن نافع سنة ٤٥ - ٤٦ هـ فى غزو إفريقية، وزودت طرابلس فى نحو ذلك الوقت بحامية (جند) دائمة؛ ونحن لا نعرف أسماء ولاة المدينة.
وفى سنة (١٣١) هـ (٧٤٨ - ٧٤٩ م) سار عبد الرحمن بن حبيب، والى إفريقية بعد سنة ١٢٦ هـ إلى طرابلس وقتل رجلين من أهل طرابلس هما عبد الجبار والحرث وهما من بربر الإباضية؛ وفى سنة ١٣٢ هـ أعاد بناء أسوار المدينة. ويقول ابن خلدون إن بكر بن عيسى القيسى كان يحكم المدينة آنئذ، وإنه قتل خلال الفتنة؛ وساد الاضطراب برابلس وأرباضها خلال القرنين الثانى والثالث بسبب الفتنة السياسية الدينية التى قام بها الإباضيون، وقد وجدت هذه الفرقة