السهل بشبه جزيرة يقع فيه الميناء، ويحمى هذا الميناء سلسلة من الجزائر الصحرية الصغيرة تقوم أمامه، كما تحميه بقايا سور قديم؛ ونحن نجهل الاسم الفينيقى القديم للمدينة؛ وقد ورد ذكرها أول ما ورد فى العهد الفارسى، وجاء اسمها اليونانى من قسمتها إلى ثلاثة أحياء تفصل الأسوار كلا منها عن الآخر، وهى أحياء صور وصيداء وأرواد؛ وكانت المدينة القديمة تقوم فى موضع الميناء الحالى، يحميها موقعها الطبيعى واستحكامات أحيائها الثلاثة، مما جعل الاستيلاء عليها أمرا غاية فى المشقة، إلا أنها كانت مهددة باستمرار بفعل انعزالها من ناحية البر عن العالم الخارجى بل عن مورد يمدها بمياه الشرب، ولا أدل على هذا من أن معاوية أنفذ إليها فى خلافة عثمان جيشًا بقيادة سفيان بن مجيب الأزدى، وأقام سفيان حصنًا ليعزل البلدة تمامًا، وأشتد الضيق بأهلها حتى اتصلوا بالإمبراطور البوزنطى وتوسلوا إليه أن يرسل بعض السفن بأقصى ما يستطيع من السرعة لنجدتهم؛ واستجاب الإمبراطور لهم، ونجح الطرابلسيون فى ركوب السفن ليلا ولاذوا بالفرار؛ وأراد معاوية أن يعمر المدينة المقفرة فحمل عددا غفيرًا من اليهود على الاستقرار فيها (البلاذرى؛ ويقول ياقوت إن الذين أسكنهم فيها كانوا من الفرس)؛ ويقال إن معاوية كان يرسل إليها سنويًا جيشا تحت إمرة عامل من عماله، وكان الجيش ينسحب حين تتوقف الملاحة ولا يبقى إلا العامل وحفنة من الرجال؛ ويذكر اليعقوبى الجغرافى (٢٧٨ هـ = ٨٩١ م) ذلك الميناء العجيب الذى كان يتسع لألف سفينة، وراح الإصطخرى بعد خمسين سنة يسمى طرابلس ثغر دمشق ويتحدث بخصوبة أرباضها العجيبة بما فيها من نخيل وحقول مزروعة بقصب السكر، ويشيد بأخلاق أهلها وخلالهم. وقد وصف ناصر خسرو (٤٣٨ هـ = ١٠٤٧ م) البلدة فى عهد الفاطميين وصفا رائعا فقال: إن الإقليم كله حقول وبساتين زرع فيها قصب السكر والنارنج والموز والبرتقال والليمون والنخيل. وكان البحر يحمى المدينة من ثلاثة جوانب ويحميها من البر سور ينهض أمام بركة كبيرة، وكان ثمة