مسجد جميل فى سرة البلدة، وكان يسكنها عشرون ألفا جلهم من الشيعة؛ وكان ينفق على حامية السلطان من المكوس التى تؤديها السفن الكثيرة التى كانت تصل إلى الميناء، على حين كان للسلطان نفسه سفن ألفت أن تخرج إلى شواطئ البحر المتوسط من هناك.
وقد أنشئت مقاطعة طرابلس فى عهد الحروب الصليبية ومنحت رايموند Raymond أمير تولوز، ولم يكن بد من أن ينتزع رايموند القصبة نفسها من يد المسلمين، فشرع فى حصارها سنة ٤٩٣ هـ (١١٠١ م)، وأراد أن يعزل المدينة عزلًا أفعل وأبعد أثرا فشيد حصنًا على الجبل القائم قرب خانق قديشا، وكان هذا الجبل يسمى مونز ييريكرينوس Mons Peregrinus (ويسميه العرب سنجيل أى القديس كيل Si.Giles) وقد نشأت فى سفح ذلك الجبل بمرور الزمن بلدة صغيرة، وتوفى رايموند سنة ٤٩٩ هـ (١١٠٥ م) فى هذا الحصن دون أن يبلغ هدفه، ولم تستسلم المدينة المحاصرة إلا فى ١٢ من يوليه سنة ٥٠٣ هـ (١١٠٩ م)؛ وكتب الإدريسى سنة ١١٥٤ يقول إن الحصن بناه الفرنجى ابن سنجيل، وذكر جميع القرى والمعاقل التابعة لطرابلس وكذلك الجزائر الصغيرة الصخرية التى أمام الميناء؛ وفى سنة ١١٧٠ قاست البلدة كثيرًا من زلزال مروع، وسقط بيت المقدس سنة ١١٨٧ وظلت طرابلس قرنًا آخر قاعدة من قواعد النصارى الهامة حتى سنة ٦٨٨ هـ (١٢٨٩ م) وهنالك ظهر جيش السلطان المنصور قلاوون المملوكى أمامها فاضطرت إلى الاستسلام فى ٢٦ من إبريل، وكان ذلك نقطة تحول فى تاريخها، إذ أن هذا السلطان اعتبر بالماضى، فأقام مدينة طرابلس جديدة على تل الحجاج، على حين دمرت المدينة القديمة واضمحلت حتى أصبحت مرفأ صغيرًا وكتب عنها الدمشقى حوالى سنة ١٣٠٠ م فوصف موارد المياه الجارية فى كل جانب، وأن قنطرة معلقة طولها ٢٠٠ ذراع وارتفاعها ٧٠ ذراعًا كانت مقامة هنالك، كما وصف حدائقها الغناء التى تجود بأحسن الفاكهة؛ وكذلك ذكر محلات مختلفة تابعة لطرابلس وهى تشمل البثرون