بشجاعته، فقد حمى بجسمه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- عند تراجع المسلمين فأصيب بعدة جروح وأدركته ضربة قطعت أوتار إصبعين من أصابعه فبقيتا مشلولتين. وأكسبه حسن بلائه هيبة فى أيام النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعد وفاته، وجعل له مكانة واحتراما فى قلوب المسلمين لم تستطع الشيات التى شابت صفحة حياته المتأخرة أن تمحوها. فلما توفى النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) بدا أن علاقته بالخليفتين الراشدين الأولين كانت أميل إلى الفتور، ويقال إنه تردد مدة طويلة قبل أن يبايع أبا بكر وعمر من بعده. وقد حرص عمر بدوره على ألا يولى منصبا رفيعا ذلك الصحابى القوى، فقد كان لدى هذين الخليفتين فيما يرجح أسباب تدعوهما إلى الخشية من أطماحه. ولم يمنعه ذلك من أن يجمع ثروة طائلة من الفتوح الإسلامية، إذ كانت له ضياع فى جزيرة العرب وفى العراق وأملاك عينية، وتذكر الروايات إن كرمه كان يعادل ثروته. وقد بوأته هيبته ومركزه المالى أرفع مكانة فى عهد عمر. ويذهب كايتانى (Annali dell'Islam، جـ ٥، ص ٤٢, ٤٦) إنه كان هو والزبير وعلى من المحرضين على قتل عمر، ولكن هذه الدعوى لا سند لها، كما أنها أبعد ما تكون عن الاحتمال بالنسبة لطلحة لأنه كان غائبا عندما وقع الاغتيال فى المدينة (انظر Rivista deglistudi Orientali، جـ ٤، ص ١٠٦٠ - ١٠٦١). ومهما يكن من شئ فإن طلحة كان من المرشحين للخلافة، وقد أحس بمرارة الخيبة عندما وقعت من نصيب عثمان. واندمج طلحة فى صفوف المعارضة فاستغل السخط الذى سرعان ما دب فى نفوس الناس على حكم عثمان، وسعى إلى تولى الخلافة مرة أخرى. ويصعب علينا اليوم أن نفهم جوهر الفتنة التى أودت بحياة عثمان، ذلك أن الروايات التى سجلت عنها غامضة يشوبها الغرض، على أنه من الثابت فيما يبدو لنا أن طلحة كان من الممثلين الأوائل فى هذه القصة، وبخاصة فى أيامها الأخيرة حين انقطعت فجأة المناقشات الطويلة التى دارت بين عثمان من ناحية، وبين طلحة والزبير وعلى من جهة أخرى، وقتل الخليفة فى بيته على يد الغوغاء وظن طلحة أن حلمه أوشك أن يتحقق، بل لقد بدا أن مبايعته بالخلافة باتت