قاب قوسين أو أدنى، وإذا بعلى يبايع بالخلافة دونه. وهنا أيضا يشوب الروايات غموض كبير بالرغم من التفصيلات الكثيرة التى غشيتها. والراجح أن عليا قد اعتمد على العناصر الكثيرة الشغب التى أصبح لها اليد العليا فى تلك الأيام التى اضطربت فيها الأمور، أما طلحة (وكذلك الزبير الذى كان يعمل بالاتفاق معه وإن كان يسعى لإدراك أغراضه الخاصة) فقد سعى إلى اتخاذ موقف وسط، فأقصى عن الخلافة. ومهما يكن من شئ فقد وجد طلحة ألا مناص له من الاعتراف بالخليفة الجديد، ولكنه لم يلبث أن فر من المدينة هو والزبير وبلغ مكة حيث انضم إلى عائشة (كانت عائشة تقف موقف العداء من على كما كان هذا شأنها مع عثمان) التى كانت فيما يبدو تناصر دعوى طلحة فى الخلافة (وربما كان السبب فى ذلك رابطة الدم التى كانت تربطها به، فقد كان كلاهما من عشيرة تيم بن مرة). وشخص الحلفاء الثلاثة إلى البصرة، حيث كانوا يعتمدون، وبخاصة طلحة. على اجتذاب أنصار لقضيتهم، وأعلنوا أنهم يرغبون فى الأخذ بثأر عثمان من علىّ بعد إذ قالوا إنهم بريئون من دمه. ونحن نعلم النهاية المشؤومة التى نزلت بهم، فقد هلك طلحة والزبير فى يوم الجمل (جمادى الآخر سنة ٣٦) وفاز على بالعراق، على أنه لم يحتفظ به إلا سنوات قليلة؛ ولم تشق أسرة طلحة بهلاك شيخها، ذلك أن ورثته آلت إليهم ثروته وظلوا محتفظين بجاههم؛ وكان منهم كثير من المحدثين، ولكنهم طلقوا السياسة بالثلاثة.
ونستطيع أن نتبين من أقوال الروايات أن طلحة كان مقاتلا شجاعا، ورجلا نبيلا كريما، وأغلب الظن أن السبب فى هلاكه كان الخطأ المأثور عن العصاميين، وهو العجز عن الحد من الطموح الذى يتملك نفوسهم. ذلك أن ما أصابه من نجاح غير متوقع فى كثير من الأمور، جعله لا يعرف حدودًا لإمكانياته، إذ كانت تعوزه فيما يظهر الصفات اللازمة لإدراك هذه الحدود