الدينية التى أغرته بشن هذه الحرب، ألا وهى طرد المهدى الخارجى من زبيد، وطرد بنى كرم الشيعيين من عدن، وكان هؤلاء قد دخلوا رسميًا فى زمرة طبقة الفاطميين أصحاب السلطان. ومن الدلائل المشهودة على نفاذ بصيرة صلاح الدين أنه رغب فى أن يمكن لنفسه فى ولاية يستطيع أن يلجأ إليها إذا دهمته أزمة طارئة. وكانت الظروف العامة تشير إلى أن ذلك لا يتأتى له إلا فى الجنوب، وهى الجهة الوحيدة التى يستطيع منها أن يستغل جنوده، ذلك أنه لو شاء أن يتجنب قيام عداء سافر بينه وبين نور الدين، فإن خير سبيل كان يمكن أن ينهجه لتحقيق ذلك هو أن يترك سلطان الفرنجة قائمًا فى فلسطين حتى يكون دريئة له أمام نور الدين وقتذاك. وكان قد أنفذ قبل ذلك بسنة واحدة إلى بلاد النوبة أخًا عالى السن من إخوته الخمسة هو طورانشاه، وكانت الشائعات قد ربطت بينه وبين مقتل آخر السلاطين الفاطميين. على أن طورانشاه لم يكن يرى أن اليمن تساوى ما يبذل فى سبيل غزوها من مشقة ومال. وكانت العلاقات المكينة القديمة التى ربطت بين مصر والأراضى المقدسة قد لفتت آئنذ أنظار صلاح الدين إلى شبه الجزيرة العربية التى كان قد استولى بالفعل سنة ٥٦٦ هـ (١١٧١ م) على المنفذ الشمالى لها ونعنى به ثغر أيلة. ومن ثم بعث بطورانشاه إلى اليمن فاستولى على زبيد فى شوال من سنة ٥٦٦ هـ (مايو ١١٧٤ م)، وعلى عدن فى السنة نفسها، وفى السنة التالية طرد من صنعاء على ابن حاتم الوحيد الحمدانى الذى كانت مقاومته قد وهنت بفعل الغارات المتصلة التى كان يشنها عليه الإمام أحمد بن سليمان الزيدى صاحب صعدة، ومع ذلك فإن طورانشاه لم يحس بالارتياح فى بلاد لا يسقط فيها الثلج أبدًا ولا يجد فيها ما يشتهيه من فاكهة، واستطاع طورانشاه بما عمد إليه من اعتراضات ملحة على بقائه فى هذه البلاد أن ينال موافقة صلاح الدين على نقله منها، فنقل إلى الشام سنة ٥٧١ هـ، وكانت قد آلت إلى صلاح الدين فى هذه الأثناء عقب وفاة نور الدين. وقضى طورانشاه