٨٩٢ م)، وذلك نظير أدائه جزية سنوية قدرها ثلثمائة ألف دينار (وهذا المبلغ كان يؤديه أحمد بن طولون من قبل للخليقة المعتمد عن مصر وحدها). وهذه المعاهدة تعد أقصى ما بلغته الأسرة الطولونية من سلطان. وقد أدى الضعف الذى أصاب موقفها من بعد إلى إعادة النظر فى شروط هذه المعاهدة سنة ٢٢٨ هـ (٨٩٩ م) فقصرت أملاكها على مصر والشام ورفعت الجزية السنوية التى كانت تؤديها إلى ٤٥٠٠٠٠ دينار. وكان انهيار حكم الطولونيين فى الشام بفعل القرامطة قد أتخذ ذريعة لإنفاذ جنود الخلافة إلى دمشق سنة ٢٨٩ هـ بتحريض من الشآميين أنفسهم. ومن ثم نظم القائد المظفر محمد بن سليمان بمعونة أسطول طرسوس، حملة عسكرية بحرية على مصر، ولم يلق إلا مقاومة قليلة بعض الشئ، فاحتل الفسطاط فى الثانى من ربيع الأول سنة ٢٩٢ (١٢ يناير سنة ٩٠٥)، ونهبت هذه المدينة وعومل أهلها معاملة وحشية، ودمرت ضاحيتها العسكرية القطائع التى أقامها أحمد عن آخرها، وحمل الذكور الباقون من الأسرة الطولونية مكبلين بالأغلال إلى بغداد وتحفظ عليهم فى السجن.
وكان سلطان الطولونيين يعتمد اعتمادًا تامًا على الجيش الذى أنشأه أحمد، وقوامه مماليك من الترك واليونانيين والسودان، ومرتزقة من اليونان أيضا فيما يرجح. وبلغ عدد جنود الجيش بعد تجنيد رجال من أهل البلاد ١٠٠.٠٠٠ مقاتل. قد فرض على الجنود النظاميين أشد ضروب النظام، وتولى تنفيذه رؤساء شرطة، رئيس لكل فرقة على الأرجح. ويقول اليعقوبى (جـ ٢، ص ٦٢٤) أن جميع الجنود قد حملوا على أن يقسموا يمين الولاء شخصيا لأحمد بن طولون. ومنذ هذه الأيام أيضا بدئ فى إنشاء القطائع وغيرها من الأعمال العسكرية فى مصر. ومع أن فتحه للشام سنة ٢٦٤ قد زود جيشه بجنود جدد من الرديف فضلا عن الجنود الخاصين بالحكام الترك السابقين، إلا أنه فرض عليه عبئا أكبر فى دعم سلطانه والحفاظ عليه حيال هذه القوة غير المتجانسة التى كان لا يربطها به إلا أوهى الروابط.