وقد كان فى انتقاض ابنه العباس (٣٦٥ هـ - ٩٦٨ م) عليه -وهو انتقاض يعد فى حقيقته فتنة أشعل نارها عدد من ضباطه- وما تبعه من ظهور تقصير لؤلؤ، تهديد خطير لمركزه لم ينجح منه إلا بشق الأنفس وهو على فراش الموت. واستطاع خمارويه بفضل شجاعته الشخصية، وبالرغم من البداية المشؤومة التى بدء بها عهده، أن يدفع إلى حين الخطر الذى كان يهدد الدولة بالتمزق، بل إن الجيش العامل قد زاد عدده بفضل الجنود الجدد من المماليك الذين اشتروا من آسية الوسطى، وإنما استطاع خمارويه ببذل الأموال فى سخاء والتخفف بعض الشئ من الصرامة التى اتسم بها حكم أحمد، أن يلم شعث الجيش. وقد بلغت نفقات قيامه فى عهده تسعمائة ألف دينار، على أن إسرافه أنهك خزانة الدولة حتى أنه عندما اعتلى جيش العرش رفض قسم من الجيش أن يبايعه لعجز خزانة الدولة. ثم إن قصور جيش الشديد نفر منه قلوب القواد الترك الكبار ففروا إلى بغداد وبالغ الخليفة المعتضد فى إكرامهم وعاملهم معاملة الأمراء. وأوشكت الحكومة المركزية فى عهد هارون أن تفقد كل سلطان مباشر لها على الجيش الذى كان عنصر الإغريق فيه وقتئذ قد أصبح له الكلمة العليا، وغدا لكل أمير من أمراء الجيش الكبار فى مصر، وهم بدر، وصافى، وفائق، سلطان على قسم من الجنود، وأثقلوا كاهل ميزانية الدولة فى الإنفاق على الأقسام التابعة لهم. وغدا طغج بن جف (وهو أبو الأخشيد والى مصر فى المستقبل) مستقلا أو يكاد فى دمشق. وكان التنافس بين القواد هو السبب الأكبر فى الكوارث التى حلت بالجيوش المصرية فى الشام إبان فتنة القرامطة، وهى الكوارث التى استنزفت بدورها موارد الطولونيين. وكذلك زاد التنافس بين حكام هذه الدولة والوحشة التى دبت بين هارون وأمرائه هذا التفكك حدة. فما إن ظهر محمد بن سليمان فى دمشق، حتى انحاز إليه طغج، بل انضم إليه أيضا بدر وفائق بجنودهما. أما بقية الجيش فإن معظم الجنود تخلوا عنه فى القتال الذى أدى إلى فتح الفسطاط، والسبب الأكبر الذى دفعهم إلى ذلك هو عجز هارون عن دفع أعطياتهم.