مكّن العادل لنفسه فى ولايته هو، ثم توسط فى المنافسات التى دبت بين ابنى صلاح الدين: العزيز صاحب مصر، والأفضل، صاحب دمشق. وانتصر العادل أول الأمر للأفضل، ثم تجلى عجز الأفضل للأعين فانحاز آخر الأمر للعزيز لطرد الأفضل، وتولى هو نفسه حكم دمشق نائبًا للعزيز سنة ٥٩٢ هـ (١١٩٦ م) وقد مكنه ذلك من أن يكون فى ميدان الحوادث متأهبًا لمواجهة الصليبيين مواجهة فعالة سنة ١١٩٧ م. فلما توفى العزيز سنة ٥٩٥ هـ (١١٩٨ م) انقسمت الجيوش المصرية حزبين، حزب ينتصر للأفضل وحزب ينتصر للعادل. العادل فى دمشق حتى رفعت عنه الحصار جنوده فى أرض الجزيرة بقيادة ابنه الكامل، ومضى هو يطارد الأفضل إلى مصر وهزمه ونودى به سلطانًا على مصر والشام سنة ٥٩٦ هـ (١٢٠٠ م) ونازعه على السلطنة الظاهر، إذ عاد إلى حصار دمشق، على أن العادل نجح فى حمله على الارتداد عنها، وطارده إلى حلب حيث اضطر الظاهر أخيرًا إلى الاعتراف بسلطانه سنة ٥٩٨ هـ (١٢٠٢ م) وفى سنة ٦٠٤ هـ (١٢٠٧ م) أقر الخليفة سلطنته، فعمد من بعد إلى توزيع ولاياته على أبنائه فخص الكامل بمصر، والمعظم بدمشق، والأوحد بالجزيرة، والأشرف بديار بكر، وراح هو يتنقل من مكان إلى مكان وفق ما تمليه الظروف.
وبقدر ما تهيأ لنا من أسباب الحكم على العادل، نقول إن عماد سياسته كان يقوم على الحفاظ على وحدة إمبراطورية صلاح الدين وتماسكها أمام الأحتمال الذى كان ماثلا دائمًا وهو قيام الصلييبن بحملة أخرى تأتى من وراء البحار؛ ثم خدمة مصالح البيت الأيوبى فى الوقت نفسه. ومع أن العادل وكل أمر مناصب الحكم الكبرى لأبنائه، فإنه لا يستطيع منكر أن يمارى فى أنهم كانوا كفاة كل الكفاية فى تولى أمرها، وإن كان قد ثبت فى ولاية حلب الابن الوحيد لصلاح الدين الذى أبدى شيئًا من الكفاية بل هو قد تعهد بأنه يخلفه ابنه فى ولايته، زد على ذلك أنه ثبت أيضا الأقرباء فى ولاية حمص وحماه وكانت هيبة العادل الشخصية