وقد انشغل الباب العالى بالحرب ضد "ميلان" أمير الصرب ونقولا الأول أمير الجبل الأسود وكان النصر فيها للعثمانيين، ورغبة من السلطان عبد الحميد الغازى فى وضع حد لتدخل القوى الكبرى فى مجريات الأمور السياسية العثمانية فإنه عقد بالتشاور مع مدحت باشا مؤتمرًا دوليًا فى إستانبول، فلما كان يوم افتتاحه (٢٣ ديسمبر ١٨٧٦ م) أصدر "خطا همايونيا" يعلن للناس فيه قيام أول دستور للبلاد ويسمى "بقانونى أساس" وقد أقيم بمقتضاه نظام برلمانى يتألف من مجلسين، وقد دعى هذان المجلسان للانعقاد يوم ١٧ من مارس ١٨٧٧ م (وكان فضه فى الواقع لفترة استمرت ثلاثين سنة).
ولقد شنت تركيا فى عهد السلطان عبد الحميد حربين إحداهما على روسيا (١٨٧٧ - ١٨٧٨ م) والأخرى على اليونان واستمرت من ١٨ أبريل حتى ٥ يونيو ١٨٩٧ م، وأخيرًا فإن المسألة المقدونية المعقدة أدت إلى تدخل أوروبى بالإجماع انتهى بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد وقيام ثورة تركيا الفتاة، ففى الخامس من يوليو سنة ١٩٠٨ م قام "القُل أغاسى نيازى بك" واستولى على "مونستير"؛ فلما كان الثالث والعشرون من الشهر نفسه تمرد فى سالونيك أنور بك الملحق الحربى الأسبق لتركيا فى برلين، فلم يكن من السلطان إلا أن استجاب لطلبه بعقد الجمعية التشريعية التى كانت قد توقفت عن العمل وإن ظلّت تُذكر فى السجل السنوى الرسمى المعروف باسم "سالنامه"، وتم عقد الجمعية التشريعية يوم ٢٤ يوليو وهو اليوم الذى صار بعد ذلك عطلة رسمية قومية فى البلاد، ثم كانت الحركة الانقلابية التى تزعمها الرجعيون وبعض العسكر الذين اتسموا بالتعصب والتى قادها مارشال محمود شوكت. وانتهى الأمر بصدور قرار بخلع السلطان عبد الحميد الثانى، وقد اتخذ هذا القرار المجلسان اللذان عقدا فيما بينهما يوم ٢٨ أبريل ١٩٠٩ م جلسة مشتركة، واعتمد هذا الخلع على "فتوى" صدرت فى اليوم ذاته اتهمته