"بتحريمه كتب الشرع وحرقه إياها" وتم خلعه بمقتضى هذه الفتوى وتولى مكانه أخوه محمد رشاد الذى عرف بمحمد الخامس، ونفى عبد الحميد الغازى إلى سالونيك، فلما اندلعت الحرب البلقانية فى سنة ١٩١٢ م نقلوه إلى قصر مطل على البسفور فظل مقيمًا به حتى مات بالتهاب الرئة يوم الأحد العاشر من فبراير ١٩١٨ م وقد بلغ الخامسة والسبعين من عمره ودفن فى تربة جده محمود الثانى.
لقد كانت النقطتان البارزتان اللتان اتسم بهما نظام عبد الحميد الثانى هما الاستبداد والتعصب الإسلامى.
١ - أما فيما يتعلق بالاستبداد فيلاحظ أنه على الرغم من أن سلطة أسلاف عبد الحميد كانت سلطة مطلقة إلا أن تدخلهم فى أمور الحكومة كان قليلا نسبيًا، إذ جرت عادة الواحد منهم على أن يترك الأمر إلى من ينيبه عنه وهو الوزير الأعظم ويطلق السلطان يده فى تصريف الأمور ويعدّه "وكيله المطلق" وبذلك تكون الحكومة فى الواقع حكومة هذا الوزير الذى يعتبر هو الباب العالى، وقد أراد السلطان الغازى عبد الحميد أن يوجد وسيلة للسيطرة تنفذ كل مآربه ورقابته الشخصية وبذلك تكون سلطة "القصر" أو البلاط هى المنفذة ولكن من وراء ستار. وبعد نجاته من محاولة أرمينية دُبرت لاغتياله ازداد خوفه وشكه الجارف فى كل من حوله، وهو شك سيطر على كل جوانب حياته، ولذلك فتح أذنيه لكل نمّام، وشجع التجسس حتى صار كل واحد عينًا على الآخر مما أسفر عن قيام شبكة جاسوسية معقدة تعقيدًا لا يمكن لأحد أن يتصور مداها، وتكوّن شئ جديد يعرف "بالخفية" وما هو فى الواقع إلا "هيئة شرطة" أصبحت تضم فى النهاية جميع الوشاة والمخبرين السريين فكان فيهم قوم من أرقى طبقات المجتمع، وفيهم من هم من أدناها، ومهمتهم تقديم الاتهامات المكتوبة التى عرفت باسم "الجرنال"، وهو تعبير يرجع أصله إلى زمن محمد على والى مصر وكان المقصود به أصلا "التقرير اليومى الإدارى".