ولقد بلغت قسوة هذه الرقابة درجة كبيرة من البعد عن العرف والأخلاقيات لا يمكن تصديقها لولا ورود الخبر الذى يؤكدها فى الوثائق الأصلية، ولقد ابتدع الرقيب كلمات مثل "الوطن" ومهد الآباء بدلًا من قولهم "الأسرة" و"الدين" كما أصبح أى إنسان موضع شبهة لترديده بعض الألفاظ مثل "الحرية" و"الانفجار" و"القنبلة" و"اغتيال الحاكم" و"القتل العمد" و"المكيدة" و"التآمر" إلخ. .
٢ - أما فيما يتعلق بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية فقد كان السلطان عبد الحميد الثانى يدرك إدراكًا عميقًا أهمية دوره كخليفة وإن كانت هذه الأهمية موضع جدل، وكان يرى أن هذه الخلافة تجعل منه "حامى حمى الإسلام" كما جاء فى المادة الثالثة من قانون ١٨٧٦ م، وكان عظيم التقدير لجمال الدين الأفغانى الذى يدين له بالشكر لتوفيقه فى إرجاع الشيعة إلى حظيرة السنَّة، على أن هذه السياسة العقيمة، بل والخطيرة كانت قائمة فى الغالب على وهم باظل مؤداه أنه قادر على الاعتماد على وفاء "أطفاله الذين أفسدهم التدليل" وهم "العرب" وعلى ولائهم له.
ومن الأمور العجيبة أن "فامبرى" الأرمنى المتترّك الذى كان من يهود المجر ومن أكبر مشجعى عبد الحميد الثانى على هذه الاتجاهات. وأسفرت ميوله الطيبة نحو العرب عن نتيجة محمود , واحدة فقط تلك هى أنها حفزته على إنشاء سكة حديد الحجاز التى تصل إلى الأماكن الإسلامية المقدسة.
وكان لهذا الخط قيمته الاستراتيجية للقضاء على الاضطرابات التى تشب بلا انقطاع فى بلاد اليمن، وكان السلطان عبد الحميد كبير الاعتزاز والتباهى بخط سكة الحديد هذا، وهو اعتزاز له ما يبرره، كما أنه اعتزازٌ له ما يؤكده، أما المبالغ التى صرفت على مدّه فقد جمعت كلها من المسلمين ومن دخول "طابع الحجاز" وبدأ تشغيل خط سكة حديد الحجاز لأول مرة فى الأول من سبتمبر ١٩٠٠ م وهو يوم الاحتفال بالذكرى