فغاظ ذلك اليهود فزعموا أن ما حرم عليهم كان محرمًا فى القديم على نوح ومن بعده من الأنبياء إلى أن انتهى التحريم إليهم. وغرضهم تكذيب الرسول فى شهادته عليهم بأن ما حرم عليهم حرم لظلمهم وبغيهم. فبيّن الله أن كل الأطعمة كانت حلالا لبنى إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة إلا ما حر. إسرائيل على نفسه وهو العرق فتبعه بنوه فى تحريم العروق تأسيًا به. أما بقية المطعومات من لحوم الإبل وألبانها مما حرم على بنى إسرائيل فقد كان حلا قبل أن تنزل التوراة ثم حرمت عليهم لظلمهم وبغيهم، وقد أمره الله أن يتحاكم معهم فى إثبات ذلك إلى التوراة فقال:{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
يجتهد بعض المستشرقين أن يضرب القرآن الكريم بعضه ببعض وأن يجعل بين آياته تنافيا ليصل من ذلك إلى أنه من عند محمد [- صلى الله عليه وسلم -] المحدود علمه لا من عند الإله الذى أحاط بكل شئ علما، ويأبى الله إلا أن يقيم بجانب كل دعوى من هذا القبيل ما يفسد دعواهم وينقض طعنهم فيظهر القرآن الكريم مستويًا لا اعوجاج فيه ولا تفاوت، يصدق بعضه بعضًا - ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا.
من ذلك ما ذكروه فى هذا الموضع، فهم يرون أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يرى أول الأمر أن يعقوب بن إبراهيم، ويستدلون على ذلك بآية {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} يذهبون إلى أن معني الآية فبشرناها بإسحق ويعقوب ابنين لها من إبراهيم إلا أن يعقوب أصغر من إسحق، ثم رأى بعد ذلك أنه ابن لإسحق وأن إبراهيم جده بدليل الآية ١٢٦ من سورة البقرة
وإنما ذهبوا إلى أن اعتقاده بنوة يعقوب لإبراهيم كان أول أمره ثم تغير اعتقاده أخير، لأن الآية التى تدل على أن يعقوب ابن لإبراهيم مكية والآية التى تدل على أنه ابن لإسحاق مدنية، والمكى قبل المدنى.