التضامن أو الاتفاق والاختلاف أو التقابل. ونجد ملخصا يوضح ذلك فى كتاب "البيان عن أصول الإيمان" لمؤلفه "السُمنانى" وهو من تلامذة الباقلانى. والحجج "المنطقية" تكون متبوعة (وأحيانا مسبوقة) بالحجج "التقليدية"، أو بألفاظ أخرى -الحجج المستمدة من المراجع؛ وهذه تتمحور حول استشهادات من القرآن الكريم، تتمثل من جهة فى تلك المقدمة فى سبيل الدعم المباشر للحجة، وتتمثل من جهة أخرى فى استشهادات الخصوم التى تصبح الأخطاء فى تفسيرها منفذا للهجوم عليها. . . ويمكن أن تضاف إلى هذه الاستشهادات أيضا الأحاديث الشريفة، وهى وافرة العدد فى بعض الحالات وقليلته فى حالات أخرى. وهذا بصفة خاصة هو الإجراء الذى اتبعه الأوائل من كبار الأشاعرة، وقد اعتمد أغلبهم على النصوص المستندة إلى الاجماع. . . وكان من حججهم الأثيرة مقولة "من المتفق عليه أن. . . ".
الديوانى وآخرون غيره ويُفسح حيزا كبيرا للإجماع والحقيقة المتمثلة فى كون هذه الحجج "التقليدية" قد سيقت فى بعض المراجع بعد الحجج "العقلانية" إنما تشير إلى أن الحجج التقليدية عدت بمثابة تاكيدات لنتائج الاستدلال الجدلى.
وهكذا تتجلى الطبيعة الدفاعية لعلم الكلام من حيث رجوعها إلى العقائد فى دعم الحجج.
وابتداء من الديوانى فصاعدا تخلى الجدل وفقا للأسلوب العتيق وما يرتبط به من استدلال ذى حدين عن موقعه -ودون أن يختفى كلية- لصالح الجدل ذى النمط القياسى فى ثلاثة حدود؛ بما يتضمنه من وجود "حد أوسط كلى" وكذلك الرجوع -ضمنيا كان أم صريحا- إلى "مبدأ العلة". وأضحى الفلاسفة خصوما مألوفين على قدم المساواة مع المعتزلة بل وربما أشد خصومة منهم؛ ومن ثم صار لزاما مناقضتهم بنفس أساليبهم، الأمر الذى أكسب المنطق الأرسطى (المتأثر بالرواقية) نفوذا متزايدا فى مجال حجج الكلام. وتُورد أولى المؤلفات الممثلة لهذه النزعة "الجديدة" -مثل "المحصل" للرازى و"شرح الموقف" للجرجانى وغيرهما- أسئلة تتعلق باللَّه سبحانه وتعالى مع مناقشات عقلانية بحتة مستفيضة، استعرضوا فيها