وجاء رد "ابن رشد" فى القرن التالى فى كتابه "تهافت التهافت" الذى آلى على نفسه فيه مناقضة الغزالى وإظهار الاتفاق بين الفلسفة والتعاليم القرآنية. وهو فى "فصل المقال" وفى "الكشف عن المناهج العادلة" يضع موضع الشك حتى مشروعية الكلام، إذ يتهمه بتمزيق الشريعة إربًا وتفريق الناس شيعًا وأحزابا (وكذلك "موسى بن ميمون" يتخذ مثل هذا الموقف المتشدد من الكلام). ويجدر بالملاحظة أن ابن رشد تمادى فى إعادة استخدام النقديات التى كان الغزالى أول من رسم إطارها، ولكن بصورة أكثر تشددا وأشد عنفا. وفى واقع الأمر فإن ابن رشد الذى قدر له أن يلعب هذا الدور فى تاريخ العصور الوسطى اللاتينية، يبدو أنه على نقيض أسلافه المشارقة كان قليل التاثير على الفكر الإسلامى.
وكل مصنفات الكلام التى وضعت بعد ذلك تلخص وتناقض -دون أن تفتر لها همة- موقف الفلاسفة (لاسيما الفارابى وابن سينا) ومن ثم فقد حظيت كما لاحظنا بمقدماتها الفلسفية المسهبة. وينبغى هنا الاعتراف بأنه برغم أن "المحصل" للرازى و"شرح المواقف" للجرجانى يواصلان شجب الكثير من معتقدات الفلاسفة ودمغها بالزيف، فإن الملخصين اللذين يقدمانهما يتسمان بقوة التحليل ويهدفان إلى الموضوعية، بينما المناقضات المطروحة لا تعدو أحيانا أن تكون -خصوصا فى حالة "المحصل"- مجرد تأكيدات عامة. وتكاد الفلسفة المشرقية تكون هى المعنية دائما، ومن ثم فهى التى واصلت التأثير على تطور علم الكلام. ونجد كيانا مختلطا قد نشأ؛ وهو عبارة عن نوع من علم الكلام المشبع بالفلسفة، أو هو نوع من الفلسفة التى انتقلت إلى ميدان مسائل علم الكلام. . . وهذا لم يكن دائما فى صالح أى من هذين المبحثين. وفى الختام قد يعن لنا أن نشير إلى موقف "ابن تيمية" الذى كان شديد العداء لكل من الفلسفة والكلام؛ وموقف "ابن خلدون" الذى كان من الناحية العلمية يكرر فيما يتعلق بالفلسفة المزايا والانتقادات التى ذكرها الغزالى؛ ونشير