بشار مجتمعا متحرر الفكر متسامحا بل منغمسًا فى المسرات والمتع مما زاد التعطش لمسرات أكثر نقاء وأبعد عن الفحش، ولقد عانى بشار خيبة الأمل مثل معاصره الكوفى مطيع بن إياس (المتوفى سنة ١٧٠ هـ/ ٧٨٧ م) ويعزى هذا الهروب من حياة الفحش والانغماس فى اللذة المادية إلى شاعر آخر من البصرة أيضا هو العباس بن الأحنف (الذى ولد حوالى ١٣٣ هـ/ ٧٥٠ م ومات حوالى ١٩٣ هـ/ ٨٠٨ م) وتحتل أشعار هذا الشاعر مكانًا فريدًا فى تاريخ الشعر العربى فهى أشعار حب عذرى حقا.
وكان ظهور أبى نواس (ولد بين ١٣٠/ ١٤٥ هـ - ٧٤٧/ ٧٦٢ م وتوفى فى بغداد حوالى ٢٠٠ هـ/ ٨١٥ م) علامة تمثل مرحلة جديدة فى تطور شعر الغزل، وكان أبو نواس ابنا لأم إيرانية وأب نصف عربى، إلّا أن الوجد الروحى والشفافية التى تمثلت فى شعر العباس بن الأحنف وبشار أقل وضوحا فى شعر أبى نواس وربما كان لبيئته البغدادية أثر فى هذا.
لقد شهد القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) تأثيرا متعاظما للأفلاطونية الجديدة فتأثرت العقائد بالفلسفة وظهر ذلك فى كتاب الموشّى للوشاء وكتابات محمد بن داود ألأصفهانى وقد انعكست هذه الأفكار حتى فى أشعار الكلاسيكية الجديدة فى المشرق الإسلامى متمثلة فى أبى تمام والبحترى والمتنبى، ولقد خف الطابع البدوى كثيرًا فى أشعار هؤلاء.
وقدم لنا الشاعر القرطبى ابن زيدون (المولود منه ٣٩٤ هـ/ ١٠٠٣ م والمتوفى فى أشبيلية ٤٦٣ هـ/ ١٧٠١ م) أشعارا غزلية ذات طعم خاص باستخدام ألفاظ جديدة عذبة وصور بيانية أكثر سلاسة. وقدمت الأندلس شكلا جديدا عُرف بالموشحات وإنتقل هذا الفن إلى الشرق الإسلامى حيث كان لابن سناء الملك فى مصر وصلى الدين الحلّى فى العراق دور بارز فى هذا المضمار.
وفى العصر الحديث نشهد فى الشرق الأوسط جهودا لإحداث ثورة شعرية بتأثير من السريالية والرمزية وهى جهود تستحق الاهتمام لكن