إنه كانت هناك مدينة موغلة فى القدم تشغل مكان فاس الحالية ومع ذلك فيمكن القول بأن مدينة فاس لم تظهر فى الوجود إلا فى أواخر القرن الثانى للهجرة ٢ هـ/٨ م بناءً على رغبة الأدارسة.
وقد اعتُقد لفترة طويلة، بناءً على زعم صاحب روض القرطاس والذى أيده العديد من المؤرخين الآخرين، أن إدريس بن إدريس قد شيد مدينة فاس فى غرة ربيع الأول عام ١٩٢ هـ/ ٤ يناير ٨٠٨ م ويعتقد أن الملك [الأمير] الشاب قد أنشأ هذه المدينة على الضفة اليمنى لوادى فاس وبعد ذلك بسنة قمرية أى فى ٢٢ ديسمبر ٨٠٨ م قام بإنشاء مدينة ثانية على الضفة اليسرى.
إن بناء هاتين المدينتين الذى ليس له أى تفسير قد حيّر (العلامة ليفى بروفنسال) الذى عكف على دراسة هذه المسألة وانتهى به الأمر أيضا إلى القول بأن هناك رواية غير شائعة ولكنها قديمة عن نشأة مدينة فاس والتى يعتقد أن إدريس بن عبد اللَّه والد إدريس بن إدريس هو الذى قام ببنائها على الضفة اليمنى فى سنة ١٧٢ هـ/ ٧٨٩ م وأطلق عليها اسم مدينة فاس ولكنه توفى قبل أن يتاح له تطويرها، ويعتقد أن ابنه قام بعد ذلك بعشرين عاما [أى فى سنة ١٩٢ هـ/ ٨٠٨ م] ببناء مدينة لنفسه على الضفة اليسرى وأطلق عليها اسم "العالمية" والحق إن تلك الرواية تبدو أقرب إلى الحقيقة.
وعلى أية حال فإنه من الموكد أن كلا من هاتين المدينتين كانتا منفصلتين لعدة قرون وكان الذى يفصل بينهما هو المجرى المائى لوادى فاس ومع ذلك فقد ظلت كل منهما تنافس الأخرى دائما وتعرقل تطورها مما أعاق نموهما معًا.
وقد عكرت خلافات الأسرة الحاكمة طيلة عهد الأدارسة، أى حتى مستهل القرن ٤ هـ/ ١٠ م، صفو الحياة لهذه المدينة المزدوجة وأصبحت المدينة بعد ذلك خلال الثلث الأول من نفس القرن [أى القرن ٤ هـ/ ١٠ م] أحد ركائز الصراع بين الأمويين فى الأندلس