القضاء والإفتاء، ولتجنب النفقات والمماطلة التى تنتج عن إحالة الموضوعات إلى استانبول لتلقى الحكم فيها من شيخ الإسلام. وبالرغم من أن هؤلاء المفتين كانوا يتلقون وثيقة تعيينهم من شيخ الإسلام، فإنهم لم يكونوا بأى معنى جزءًا من التنظيم المركزى، وكان دخلهم الوحيد من الوظيفة حصة فى الرسوم التى كان يتقاضاها القضاة عن القضايا التى كانوا يحكمون فيها. . . وقد كان هذا هو الوضع فى الوطن الأم للامبراطورية العثمانية (روميلى Rumili والأناضول) حيث كان المذهب الحنفى هو المتبع وحده، أما فى الاقاليم العربية (مصر، سوريا، شمال افريقيا) حيث كانت استانبول هى التى تعين القضاة لعدد قليل من المدن المشهورة فقط (مثل القاهرة ودمشق وحلب والقدس ومكة والمدينة) وكانت هذه مجرد وظائف عاطلة (أو مؤقتة) توطئة لمنصب أعلى، فقد كانت التقاليد والممارسات القديمة هى التى تنفذ، فهنا كان "المفتون" من جميع المذاهب الأخرى هم من ذوى المرتبة الرفيعة فى الأمور الدينية والمسائل القضائية، وكان شيخ الإسلام يعترف بهم على هذا النحو؛ وقد كان (بثمن ما) يصدر الترخيص بتعيينهم وكذلك السلطة المدنية التى تنفذ أحكامهم.
وكانت وثيقة الفتوى ذات شكل تقليدى، وتختلف قليلا من قرن إلى آخر، وكان يعلوها دعاء دينى مكتوب باللغة العربية وباسلوب معين، ويختلف من فترة إلى أخرى حسب ما يتميز به كاتب المسودة؛ ومع ذلك فقد اصبحت صيغة "التوفيق منه" ثابتة لا تتغير بعد منتصف القرن الثانى عشر الهجرى -الثامن عشر الميلادى- بقية الوثيقة تكتب باللغة التركية- وصار شيخ الإسلام هو الذى يكتب القرار أو الجواب بخط يده على الصفحة ذاتها. . وكان الجواب دائما مختصرا يقتصر على نعم أو لا، وبغير إبداء الأسباب، وتختم الوثيقة بتوقيع شيخ الإسلام (فقد كان "الختم" محظورا ما لم تكن حالته الصحية تمنعه من الكتابة)
وقد ألغى منصب شيخ الإسلام فى عام ١٩٢٤ م فى الوقت الذى ألغيت فيه الخلافة العثمانية، وقد حل محل هذا