الفرزدق بناء ثلاثى الأجزاء إذ تبدأ بمقدمة نسيب قصيرة ولكن -وهذا امر ملحوظ- كان من المعتاد حذف هذه المقدمة وكثيرا ما اقتصرت القصيدة على المديح فحسب وكان النقاد القدامى يرون أن النسيب يفرض نفسه كمقدمة للقصيدة ويصعب جدًا أن نعثر على قصائد رثاء عند هذا الشاعر، ولكننا نجد نموذجا لهذا النوع قصيدة نظمها عن بشر. وتختلف درجات تمثيل ضروب الشعر عند الفرزدق ففى مقدمة هذه الضروب يأتى المديح فى صورته المعهودة كأن يشير إلى عظمة الخليفة وقيمته الدينية بوصفه الخليفة الإمام.
ومن الطبيعى أن يتكرر ظهور قصائد الفخر -الفخر بشخصه أو بقبيلة على السواء- وقد عالج الفرزدق الحكمة الساخرة أو الملحة الذكية شأنه فى ذلك شأن معاصريه. وذلك على شكل مقطوعات قصيرة أو كجزء من قصيدة -وحين يجعلها جزءًا من قصيدة يصبح عنصر التباين قائما بين عناصر المديح التى تثنى على أمجاد "دارم" وتبين مخازى كُلَيب قبيلة جرير. وشعر الهجاء الساخر عند الفرزدق يتسم بالعنف والفحش بصورة نادرة على عكس الهجاء عند معاصريه (مثال ذلك القصيدة التى يهجو فيها الطَّرمَّاح). أما الحكمة فى صورتها التقليدية فلا تمثل جزءا يذكر -فهى مبتذلة لأبعد حد. كما أن الأخلاق الإسلامية لم تنجح فى التغلغل فى أعماق روح الشاعر أو إثرائها وهى التى انطبعت تماما بالثقافة البدوية. ومع ذلك يبدو أحيانا أن للشاعر القدرة على عزف نغمة مؤثرة حين ينعى -مثلا- موت طفل -وجدير بالملاحظة أن الفرزدق رغم ما عرف عنه من مجون لم يعرج على الخمريات أيا كان الغرض الذى يقرض فيه، بل أن نَزْعة الأبيقورية -أى نزعته للذة- لم تجد نفسها بحاجة إلى التغنى بقصص حبه.
وتتميز الأعمال المنسوبة إلى الفرزدق بلغة وأسلوب متجانسين للغاية -ونادرا ما نجد تأثيرا نتج عن استخدام لفظ نادر. وكان الشائع لديه ولدى معاصريه استخدام البحور الخمسة المتداولة فى العراق أما الرجز فكان نادرا، وفى هذا الإطار يستحق