العقل البشرى "والرأى" بالفلاسفة. والواقع أنه بوسعنا أن نتبين فى فكر المعتزلة منذ نشأته تأثيرا يونانيا من حيث عرض المشكلات ومنهج التفكير. وهو تأثير انتقل إليهم بطريق غير مباشر عبر الفلاسفة المسيحيين السريان (يوحنا الدمشقى وتيودور أبوقرة). وفى فترة لاحقة حين عرف منطق أرسطو (المعلم الأول فى نظر العرب) وانتقل إليهم بطريق مباشر إذ استخدمه المتكلمون لا بوصفه أداة للتحليل والبناء بل كوسيلة للعرض ودحض الحجج. وأصبح المنطق بهذا الشكل شائع الاستخدام فى الإسلام رغم معارضة التقليديين المحافظين. ومن أمثلة استخدام المنطق بطريقة جدلية خالصة ما جاء فى كتاب الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى (الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) لدحض بعض الأفكار المستوحاة من الفلسفة مثل قدم العالم. بل إن تاثير اليونان أكثر وضوحا فى تفكير الأشعرية مثل ما نجده عند الباقلانى والجوينى وبصفة خاصة الغزالى رغم وقوفه ضد الفلاسفة. ونظرية الباقلانى عن الجواهر البسيطة (الذرات) والأعراض ومذاهب المعتزلة فيما يتعلق بالماهية والوجود أو علم اللَّه بالمخلوقات قبل خلقها وبعده -كل ذلك مستمد من فلسفة خالصة. بل إن الفلاسفة -بالمعنى الضيق لهذه الكلمة- كانوا على صلة بمدارس علم الكلام وكانوا فى بعض الأحيان يرجعون إليهم لتدعيم آرائهم الخاصة.
(جـ) يصعب تعريف الفلاسفة بالمعنى الضيق لهذه الكلمة تعريفا جامعا مانعا وإنما هم بوجه عام أشياع الأفلاطونية الجديدة وهى فلسفة تلفيقية تجمع بين آراء أفلاطون وأرسطو والرواقيين وفيتاغورس وآخرين غيرهم. بل إن هذه الأفلاطونية الجديدة كانت من المرونة بحيث ضمت تعاليم المدرسة السكندرية. على أننا نستطيع أن نجد وسط هذه التأثيرات المتعددة تأثير منطق أرسطو، ومن هذه الزاوية نجد أن الفلسفة الإسلامية هى نتاج ترجمة الكتابات اليونانية وأن بعض المترجمين كانوا أنفسهم أول