لم تظهر فى أغلب الظن إلا بعد ذلك. ومن الوقائع المشهورة أن الكتاب العمدة فى فقه الإسماعيلية وهو كتاب "دعائم الإسلام" للقاضى النعمان المتوفى سنة ٣٦٣ هـ (٩٧٣ م) قريب كل القرب من مذهب الاثنى عشرية حتى إن كثيراً من متكلمى هذا المذهب الأثبات يعدونه من الكتب التى تنتمى إليهم.
ولم يبق الآن من كتب الإسماعيلية السابقة لعهد الفاطميين إلا القليل جداً، وأقدم ما نعرف منها يرجع إلى أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ويبدو المذهب فيها، من حيث الظاهر والباطن، نامياً كل النمو مستقراً استقراراً لا بأس به، ومن المستحيل فى الوقت الحاضر أن نتبين من وضع أساسه ومتى كان ذلك. وقد علمنا مما سبق أن القصة الجارية التى تقول بأن المذهب نشأ نتيجة للحقد الشيطانى الذى كان يضمره عبد الله بن ميمون القداح، هى قصة بعيدة الاحتمال جداً فيما يظهر. وربما اقتربنا من الحقيقة أكثر إذا ذهبنا إلى أن تكوين المذهب كان تدريجيا وأنه نبع من ذاته. والمدة التى كان المذهب الإسماعيلى فيها ينمو ما بين القرنين الثانى والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين). كانت -إن شئت الدقة- مدة اشتد فيها الاهتمام بالعلم والفلسفة اليونانيين حتى شاع بين الطبقات المثقفة للمسلمين من جميع المذاهب وخاصة بين الشيعة. ولعلنا نذكر أيضًا أن فى هذه المدة بالذات وضع أساس المنهج الإسلامى فى العلوم والطب والمبادئ الفلسفية تحت رعاية الخلفاء العباسيين الذين شجعوا نقل كتب العلم اليونانى. ولم يمض إلا وقت قصير حتى وجدنا أن هذه العناصر التى دخلت مذهب الإسماعيلية قد تقبلها بعامة أشد المسلمين تقى، وكذلك كان تقبلها بين مذاهب الصوفية، وعند أئمة علماء الكلام. أما السبب الذى جعل مذهب الإسماعيلية يشتهر كل هذه الشهرة بالمروق والنزعات المناهضة للإسلام فيجب التماسه فى أمرين مختلفين: الأول أن الإسماعيلية إذ بلغوا فى ظل الفاطميين مستوى ثقافياً رفيعاً قد بذلوا محاولات للمواءمة بين مبادئ