الخصوصُ رطبها وعسل تمرها الذى يشبه عسل النحل ويحفظونه فى جرار ضخمة، كما كانت البلده تنتج فى أيامه الزيت الذى تصدر منه كميات كبيرة منه إلى كل النواحى".
على أنه جرت بقابس تغييرات كثيرة فميناؤها الذى كان على حدِّ قول البكرى شديد الإزدحام كاد أن يصبح مهجورا قَلَّ أن تطرقه السفن لضحالة مياهه كما أننا لا نرى أية إشارة إلى المنارة، وتدهورت صناعة الحرير وأصبحت قاصرة على قرية هى قرية "قصر السجة" وأما المصنوعات الجلدية التى امتدحها ابن حوقل والتى أمسك البكرى عن الإشارة إليها فكان حظها عكس ما سبقها إذ أصبحت نافقة السوق وتصدر إلى الخارج كميات ضخمة من إنتاجها. ولما أُستهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) نرى ياقوت لا يضيف جديدا إلى ما قاله البكرى ولكنه ينقل ما سبق حرفا بحرف، كما أن ابن الشباط (٦١٨ - ٦٨١ هـ = ١٢٢١ - ١٢٨٢ م) يصف قابس بأنها "مدينة كبيرة" ويقرر أن بها ثلاثة عناصر من السكان هم العرب والبربر والعجم أعنى الأفارقة، وكانت هذه آخر مرة ترد فيها الإشارة إلى تقسيم الأهالى من الناحية العرقية إلى ثلاثة أجناس. ولما مر البدرى بقابس فى طريقه إلى الحج فى نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) رسم لها صورة قبيحة جدًا، إذ رأها "بلدة قذرة يتصاعد النتن منها ولا يغلبها فى هذه الناحية إلا ما عليه أهلها من الجهالة والكفر". أما ما تركه لنا التيجانى الذى قضى بها أربعة أيام فى منتصف جمادى الأولى ٧٠٦ هـ (نهاية نوفمبر ١٣٠٦ م) فيخالف تماما المخالفة ما ذكرناه فنلمح فى كلامه اعجابه بقابس "إذ هى بلدة بحرية جميلة وصحراوية" ويشده منظرها فيقول "أنها فى الحق جنة على الأرض، ومختصر القول فيها أنها دمشق ولكن على مجال أصغر" وكانت تمر بدور انتقال كبير إلى الإمام فإذا كانت أسوارها القديمة لا تزال قائمة إِلَّا أنّ مركز النشاط التجارى قد انتقل فيما وراءها إلى الضواحى التى بلغت مبلغا