Itinera, ٣١٠. ولقد قام أحمد بن طولون الذى أخذ فى يده مقاليد السلطة سنة ٢٥٤ هـ (= ٨٦٨ م) فغزا فلسطين عام ٢٦٤ هـ (= ٨٧٨ م) لكنه لما قامت الحرب بين الطولونيين والاخشيديين وبين ولاة مصر وساداتهم العباسيين لم تحرّك القدس ساكنًا ولم تقم بأى دور فى هذا الصراع، غير أن دور القدس دخل منعطفًا جديدًا ذلك أن الاعتقاد السائد بأنها سوف تكون مسرح القيامة والباب المؤدى إلى الجنّة كما يقول ابن الفقيه، أقول كان لهذا الاعتقاد أثره فيما جرى من جانب الأثرياء إذ أعدّوا أنفسهم ليدفنوا بها؛ ويقرر الطبرى (تاريخ جـ ١ ص ٤٨٦) وغيره من المؤرخين أن اليهود من كافة الأقطار فعلوا ما فعله موسى إذ حمل نعش يوسف معه من مصر، فراحوا يجيئون بموتاهم إلى الأرض المقدسة. وتبرهن كثير من وثائق "الجنيزة" على أن هذه العادة انتشرت بصورة ملحوظة حتى بين ذوى الدخل المحدود وأنها ترجع إلى أيام الرومان حين كان اليهود الحميريون يدفنون موتاهم فى مقبرة "بيث شعرييم" قرب حيفا. ويبدو أن هذه العادة أصبحت عامة مألوفة فى القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) بين المسلمين أنفسهم، فنجد أن "عيسى ابن موسى النوشرى" -وهو أول والٍ عباسى على مصر بعد زوال الطولونيين يدفن فى القدس سنة ٢٦٩ هـ (= ٩٠٩ م)، كما ضم ثراها رفات مؤسس الدولة الاخشيدية التركى محمد بن طغج الذى مات بدمشق سنة ٣٣٤ م (٩٤٦ م) فحملوه إلى القدس ودفنوه بها كما دفنوا رفات غيره من أهل بيته وحواشيهم ومنهم الخصىّ الأسود كافور أحد حكام مصر.
ويسوق الطبرى (تاريح: جـ ٣ ص ٢١٢٨) وآخرون غيره فى أحداث عام ٨٩١ م أن طائفة القرامطة الباطنية كانوا يتجهون فى صلاتهم نحو بيت المقدس ولم يفت الطبرى أن يلاحظ فى الوقت ذاته أنهم يجعلون يوم الاثنين يوم صلاتهم الاسبوعية بدلا من يوم الجمعة، ويتشبهون باليهود فيجعلونه يوم راحتهم. ولم تكن هذه الأمور الغريبة وأمثالها من الأمور المتبعة فى الإسلام. ولقد واصل القرامطة غاراتهم