ذات أهمية فكان ملاذًا يلجأ إليه ذوو العقائد التى لا تستقيم مع السنة أو من يُنفَون إليها. وقد ظهر هذا الأمر أول مرة زمن الأمويين (انظر الطبرى جـ ١ ص ١٩٢٠, ابن سعد جـ ٧ ص ١٥٦ - ١٥٧) فيطالعنا " ثور بن يزيد" الذى يضطر لترك دمشق من أجل آرائه فى "القَدَر" ويمضى إلى القدس ليقيم بها حتى يوافيه أجله حوالى سنة ١٥٣ هـ (= ٧٧٠ م)، (انظر ابن عساكر جـ ١ ص ٦٨، جـ ٣ ص ٣٨٣ - ٣٨٤).
ونرى "تكين" التركى الذى دفن بالقدس سنة ٣٢١ هـ استجابة لرغبته بأمر أيام ولايته على مصر بنفى الصوفى أبى الحسن الدينورى إلى القدس (السيوطى: المحاضرة جـ ١ ص ٢٩٤). ولما جاء العهد المملوكى أصبحت الإقامة الإجبارية فى القدس أمرا مألوفًا.
واشتهرت القدس بأنها مدينة نسّاخى الكتب. فكان يمارس نسخ الكتب عدد كبير من الأتقياء ومن العلماء والفقراء ولا تزال توجد إلى اليوم مخطوطات عربية مسيحية فى دير "ماد سابا" قرب فلسطين وهى ترجع إلى النصف الثانى من القرن الثالث للهجرة ومطلع القرن الرابع، وتوجد أيضًا نسخة أرمنية بخط مؤلفها تعود إلى سنة ٨٧٠ م.
ويمدّنا النساخون اليهود ممن عاشوا بالقدس خلال القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) بكثير من التفاصيل عن عملهم.
وتبعًا لما يقوله مجير الدين (ص ٢٦٣ - ٢٦٥) فقد كان المذهب الشافعى المذهب السائد بالمدينة حتى قبل مجئ الصليبيين، ثم يليه المذهب الحنبلى الذى أدخله أبو الفرج الشيرازى الفارسى فى الوقت الذى كان القاضى إبانه حنفيًا تركيًا.
ولقد كان هناك اختلاف ظاهر بين روح القرن الرابع الهجرى والتالى له، إذ امتاز الرابع بثلاثة مقادسة من أصل فارسى كانوا على جانب كبير من الاهتمامات الانسانية، أولهم الرحالة العظيم "المقدسى" الذى يعد واحدًا من أكبر الشخصيات التى تمخضت عنها