فضائلها من مؤلفات القرن الخامس أما أحدهما فرسالة لأبى بكر الواسطى أحد خطباء المسجد الأقصى، أما الكتاب الآخر فلأبى المعالى المشرف بن المرجا أحد الفقهاء الذين عاشوا فى القدس وهناك مؤلف ثالث ضخم جمع فيه صاحبه أبو القاسم المكى المقدسى الأحاديث الخاصة بالقدس ولكنه لم يتم كتابه هذا لوقوعه فى أيدى الصليبيين الذين ما لبثوا أن قتلوه. ومما يسترعى الانتباه أن هؤلاء المؤلفين الثلاثة كانوا من سكان القدس. على أن الأمر الذى يثير كثيرًا من الدهشة هو أن فتح الصليبيين للقدس وتحويلها إلى مدينة مسيحية خالصة لم يكن له رد فعل عنيف لعدة قرون.
ولقد تغير الوضع حين فتح عماد الدين زنكى الرها سنة ٥٣٩ هـ (= ١١٤٤ م) إذْ دلّ على ظهور حاكم وأعد له طموحات إقليمية يمكن لها أن تتحقق بالدعاية الدينية، ولذلك حمل شعراء وكتاب، بلاط زنكى وابنه نور الدين راية الجهاد من أجل القدس وقد وصلت هذه الدعاية ذروتها زمن صلاح الدين قبل وبعد سنة ٥٨٣ هـ (= ١١٨٧ م) وإذا كان النصف الأول من القرن السادس الهجرى قد خلا من كتب تتحدث عن فضائل القدس إلا أن وفرة من المؤلفات فى هذا الموضوع ظهرت فى النصف الثانى من ذلك القرن وفيما تلاه من القرون. ومما يبين أن القدس أصبحت الشغل الشاغل للمسلمين كثرة الاحتجاجات ضد المعظم من موقفه من القدس سنة ٦١٦ هـ وتسليمها على يد الكامل إلى الإمبراطور فردريك الثانى سنة ٦٢٦ هـ. ومجمل القول هو أن المؤلفات المتعلقة بفضائل القدس ظهرت بكثرة بعدما لم تعد المدينة مشكلة حربية أو سياسية خلال العصر المملوكى، ولقد توفر فى هذا الموضوع وفى هذه الفترة بالذات ما لا يقل عن ثلاثين كتابًا. ثم هناك ما كتبه ابن تيمية فى رسالته عن هذا الموضوع فى مهاجمة البدع التى شوهت مكانة القدس.
أما عند المسلمين المحدثين فقد أشار إليها سيد قطب فى مؤلفه الضخم فى ظلال القرآن جـ ١٥ ص ١٢.