كان معظم القدس فى هذا العصر أطلالًا وكانت مهجورة، وذلك لأن المسيحيين القلائل الذين ظلوا بها أو عادوا إليها بعد الدمار الذى ألحقه بها الخوارزميون سنة ٦٢٤ هـ كما أن المسلمين واليهود الذين رجعوا للاستقرار بها فروا منها ثانية سنة ٦٥٨ هـ قبل مذبحة المغول الذين توغلوا فى البلد وفى الخليل وغزة.
ثم دخلت القدس نهائيا فى دولة المماليك بعد انتصارهم فى عين جالوت فى شوال ٦٥٨ هـ (سبتمبر ١٢٦٠ م) وأصبح يدبر شؤونها نائب دمشق المملوكى، ثم أصبحت وحدة إدارية مستقلة يديرها نائب السلطنة المسئول مباشرة أمام الحكومة فى القاهرة، وأصبحت الأماكن المقدسة بها تحت إشراف "ناظر الحرمين" من ناحية الصيانة وإدارة الأوقاف، وأعاد السلاطين ترميم المبانى الكبرى ومدها بالماء وأما الأمراء فأسسوا المدارس والزوايا والخانقات والبيمارستانات التى لا يزال الجزء الكبير منها قائما حتى اليوم أو على الأقل يمكن التعرف عليه. وكانت القدس لأسباب عدة موضعًا لإقامة البعض الإجبارية ممن يُشْتَم فيه روح التمرد أو يصرف من الخدمة ويعرف مثل هؤلاء بالبطالين الذين كانت الحكومة تجرى عليهم رواتب ثابتة إلى جانب ما قد يكون لهم من دخل خاص بهم. وازدحمت القدس بالأوقاف التى يُصرف منها على الخطباء والفقهاء والدراويش.
وكان الإنتاج الفكرى يتناول شتى نواحى الفكر من حديث وفقه وأصول وفروع وتفسير وعلوم العربية والشعر. كذلك ظهرت أسرات ذات مكانة عالية تتقاسم فيما بينها أكبر الوظائف دخلًا، ومن الأسر التى ظهرت فى أواخر العصر الأيوبى وأوائل العهد العثمانى أسرة "ابن جماعة" الحموّية الأصل ثم نزلت القدس وسكنت دارًا متاخمة للحرم، وشغل رجالها مناصب الخطابة والقضاء وهناك أسرة "بنى غانم" وتولى رجالها مشيخة الخانقاه الصالحية الكبرى وكل من ذكرنا