لا يعرف إلا القليل عن آراء الأشعرية فى نصف القرن التالى لوفاة صاحب المذهب؛ والباقلانى هو الشخص الوحيد الذى بقى كتَابه، وهو ميسور لنا، وما وافى زمنه حتى ذاع أن الأشعرية يأخذون ببعض أنظار المعتزلة (وخاصة نظرية أبى هاشم فى "الحال") وأنهم ربما تأثروا بنقدات الماتريدية. وثمة مسألة واحدة كانت مدرسة الأشعرى قد بدأت تختلف فيها عن الأشعرى نفسه، وهذه المسألة هى تفسير صفات التجسيد التى أطلقت على الله، مثل يده ووجهه واستوائه على العرش، ذلك أن الأشعرى كان قد قال فيها إنها يجب ألا تؤخذ بظاهر اللفظ أو بالتأويل بل تؤخذ بـ "لا كيف "، ولكن البغدادى والجوينى أولا "يده" بأنها "قدرته" ووجهة بأنه "ذاته" أو"وجوده", وكان موقف معظم الأشاعرة المتاْخرين مشابهًا لذلك (انظر Some Muslim Dis-: Montgomery Watt cussions of Anthropomorphism فى Transactions of the Glasgow University Oriental Society - جـ ١٣، ص ١ - ١٠) زد على ذلك اْننا بينما نجد الأشعرى يصر على أن "الكسب" مخلوق فيؤكد بذلك قدرة الله على كل شئ غامطًا مسؤولية الإنسان عن أفعاله، نجد أن الجوينى قد استطاع أن يبين أن مذهب
الأشعرية فى ذلك "مذهب وسط".
وحوالى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) طرأ تغيير على المذهب، ذلك أن ابن خلدون (ترجمة ده سلان، جـ ٣، ص ٦١) يتحدث عن الغزالى على أعتبار أنه أول المجددين، ولاشك أن مرجع ذلك إلى حماسته للقياس الأرسطى، ولكننا نجد عند الجوينى من قبل آثار تقدم فى المنهج (انظر Gardet et Anawati: الكتاب المذكور، ص ٧٣ من أسفل). على أن الغزالى هو الذى غاص فى أنظار ابن سينا وغيره من الفلاسفة حتى استطاع مهاجمتهم بأسلوبهم بنجاح ساحق. ولم يسمع عن الفلاسفة زيادة على ذلك إلا القليل، ولكن منطقهم الأرسطى وكثيرًا من آرائهم الأفلاطونية الجديدة فيما وراء الطبيعة قد اندمجت منذ ذلك الوقت فى تعاليم الأشعرية. ولم تلبث هذه التعاليم أن صبغت بالصبغة العقلية على محمل سئ، بل إن بعض الآراء -