جـ ٣ ص ٧٧) وهنا تغير اسمه من زيد إلى قصى من القُصُوّ أو القَصْو بمعنى النأى والبعد. وإذ عرف من أمه أصوله عاد إلى مكة حيث تزوج حُبَة بنت خُلَيْل ابن حُبْشيّة سيد خزاعة الذى كان إليه الإشراف على ترتيبات العبادة فى الكعبة والحج إليها.
وسرعان ما علا شأن قصى فى مكة، ونجح بعد وفاة حميه فى أن يخلفه فى مهامه، إما بعد صراع طويل مع خزاعة، وإما -طبقًا لرواية أضعف من هذه- عن طريق مساومة قائمة على الحيلة عاونة فيها (أبو) غُبْشان مع ابن حليل أو قريب آخر له أبعد نسبا (قارن ابن دريد، الاشتقاق ٢٧٧, ٧ مع ٢٨٢, ٢) أصبح قصى سيد مكة وحارس الكعبة فأعاد بناء الأخيرة ونظم العبادة فيها ووحد العشائر القرشية المتناثرة فى كيان صلب أكد سيادتهم على البلدة مستقبلا. بل يقال إن اسم قريش (من الفعل تَقَرَّش بمعنى "جمع") حل محل الاسم القديم بنى النضر، ويقال إن قصيا لُقب بـ "المُجَمِّع". وبعد وفاته ورث أبناؤه عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصى مهامه المقدسة. وإلى ثانى هؤلاء الأبناء ينتهى نسب النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إذ هو (محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف). وقد أصبح بيت قصى الذى بناه بنفسه قريبا من الكعبة مركزا لكل المهام المدنية والدينية وأطلق عليه "دار الندوة". وإلى قصى أيضًا يرجع اكتشاف وحفر بئر العَجُول (البلاذرى، فتوح البلدان ٤٨؛ ياقوت: معجم البلدان، ٣، ص ١٩ - ٢٠).
مما سبق يتضح أن قريشا كانت ترى فى قصى مؤسسها الحقيقى ومؤسس الكعبة. ويشهد لقدم هذا الاعتقاد شعر للأعشى (البكرى ٨٤٩) وأشعار لحسان بن ثابت. وفى وقت لاحق حاول المؤرخون الرسميون التوفيق بين هذا الاعتقاد المحلى القديم ونظام الأنساب الذى تأسس لاحقا، ويقضى بأن قريشا هو فهر بن مالك