والحوراء وينبع وجبال رضوى. ويبدو أنه كان لدى جهينة تزعة قبلية واضحة، ونستطيع أن نحكم على ذلك من مجموعة من شعر الحروب القيلية "أيام جهينة"، وقد سجلت شذرات من هذا الشعر فى وقت متأخر خلال القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)(انظر الطيالسى، المكاثرة عند المذاكرة. ط الطنجى، أنقره ١٩٥٦ م).
تذكر رواية أوردها ابن الكلبى أن عبد الدار بن حُدَيب (أو هُذَيل فى قول آخر) عزم على بناء مزار فى قَوْدَم أحد مراكز جهينة لينافس به كعبة مكة إلا أن قومه عارضوه (ابن الكلبى، الأصنام، نشر أحمد زكى باشا، القاهرة ١٣٤٣ هـ/ ١٩٢٤ م ص ٤٥).
ويبدو أن علاقات جهينة بالأوس والخزرج كانت وثيقة، وقد ذكر أن بعض الجهينيين كانوا حلفاء لأسر وعشائر من أهل المدينة (انظر على سبيل المثال ابن حزم، جمهرة انساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة ١٩٦٢ ص ٤٤٤).
كان من الطبيعى عندما استقر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة أن يهتم بعقد علاقات سلام مع جيرانه الجهينيين. وإذ استشعرت جهينة التغيير الأساسى فى الوضع فى المدينة مع قدوم النبى كانت حريصة على أن تؤمّن لنفسها موقعا فى بناء القوة الجديد. وتذكر بعض الروايات أن وفدا من جهينة قدم على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة فأشار إلى أن النبى قد أقام "بين أظهرهم"(أى فى المنطقة التى يسيطرون عليها) وطلبوا منه عقد انفاق للأمن المتعادل وقالوا له: "أوثق لنا حتى نأمنك وتأمننا"، وفى الواقع فقد تم الاتفاق على هذا العهد بين النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبين جهينة.
ومن الجوانب اللافتة للنظر فى هذا العهد أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد التقى بوفد جهينة قبل إسلامهم وهذا واضح مما يروى عن هذا العهد إذ جاء فيه "ولم يُسْلموا". وبدأ تنفيذ العهد بعد قليل من إبرامه؛ حين أرسل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مائة من المقاتلين للإغارة على طائفة من كنانة. وعندما أدراك المسلمون أن الكنانيين