بونى. أما العرب فيقولون بل أسسها "شنتيان" غلام نمرود الملك الأسطورى. لكن الواقع هو أن وقوعها على مفترق الطرق المؤدية إلى كثير من النواحى هو الذى أدى إلى إنشائها، وقد صارت البلدة بعد ذلك جزءا من مملكة أحد الملوك النوميديين الذى أحبها حبا شديدا حتى أنه أعفاها من الضرائب. وقد دفعت قفسة ثمن هذا الحب غاليا، إذ بعثت روما بقائدها "كايوس ماريوس" لاخضاعها فأحرق البلد سنة سبعين قبل الميلاد، ولكن قفسة قامدت من بين الانقاض ونفضت عنها تراب التخريب زمن تراجان (٩٨ - ١١٧ م) ولما جاء زمن دقلديانوس (٢٨٤ - ٣٠٥ م) وقدم البربر إليها بطشوا بها بطش جبار مما حمل روما على مغادرة المنطقة بالتدريج وسحبت قواتها زمن الوندال حتى إذا مات "جنسبيك" عام ٤٧٧ صارت كبسا عاصمة مملكة بربرية ثم عادت إلى قبضة بيزنطة زمن جستنيان (٥٢٧ - ٥٦٥ م) الذى أعاد إلى الامبراطورية وحدتها وعظمتها فصارت البلدة عاصمة الأملاك البيزنطية فى أفريقية، وبنيت سنة ٥٤٠ م مدينة سميت بكابسا جستنيان. وحينذاك احتفظت قفسة ببعض آثار ماضيها الرائع القديم كالحمامات الرومانية وبعض الأعمدة وما كان عليها من تيجان وعقود قديمة إلى جانب آثار أخرى أقل من هذه قيمة أعيد استخدامها فى أشياء غيرها كالجامع الكبير وغيره من مبانى البلد القديمة.
ولقد ظلت قفسة حتى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) محتفظة بمظهرها كمدينة ذات ماض تاريخى عتيق إلى حد انفرادها دون سائر بلدان أفريقية باستعمال اللغة الرومانية كما ظل قسم كبير من سكانها محافظين على الديانة المسيحية، ولذلك فإن البكرى ذكر فى كتابه المسالك فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) ما لاحظه من أن البلدة قائمة على الأساطين والأعمدة والطبقات الرخامية وأن سورها القديم لا زال سليما على هيئته التى بنى عليها حتى ليظن الناظر إليه أنه قد فرغ القوم لتوهم من تشييده ثم جاء الإدريسى بعد ذلك بقرن من الزمان فقال فى نزهة المشتاق