الإثم بالتزام السكوت المطبق حيال أى سؤال لغوى يتضح أنه قد يكون له أى مساس بقراءة القرآن أو بنص الحديث (وقد أورد كتاب المزهر، جـ ٢، ص ٣٢٥ قائمة بالشواهد على ذلك) وعلى حين نجد أن دراسة اللغة عند أبى عمرو وأبى عبيدة تعتمد على دراسة القرآن فإن الأصمعى كان يفرق بين كونه قارئًا للقرآن، وكونه نحويًا وراوية للشعر. وقد نسج على منوال شيخه نافع وقراء المدينة فأحجم أيضًا عن التعرض للتفسير (انظر عن هذا الموضوع Two Muqaddimas to the Qu- ranic Sciences، طبعة A.Jeffery القاهرة سنة ١٩٥٤، ص ١٨٣ وانظر المزهر، جـ ٢، ص ٤١٦؛ إرشاد الأريب، جـ ١، ص ٢٦). وفى هذه الناحية كان الأصمعى يعارض موقف المعتزلة والقدرية الذين كانوا -فى قوله- يفسرون القرآن برأيهم كما فعل أبو عبيدة فى كتابه "المجاز"(انظر ارشاد الأريب، جـ ٢، ص ٣٨٩ جـ ٧؛ ص ١٦٧).
ومن حيث رواية الشعر كان الأصمعى وجيله متأثرين فى الصميم بالراويتين الكبيرين حماد الراوية وخَلَف وكان الأصمعى يرى فى جلاء المآخذ المتصلة بشخصيتيهما اللتين لا يُطمأن اليها (انظر إرشاد الأريب، جـ ٤، ص ١٤٠؛ المزهر، جـ ٢، ص ٤٠٦؛ بلاشير، ص ٩٩) وأراد الأصمعى أن يجمع فى صورة كاملة محددة قصائد فحول الشعراء الجاهليين فراح يبحث عن أشخاص لهم العلم الراسخ بالرواية. وقد استن فى عمله منهجًا نقديًا ذاع أمره فى زمانه وهو يقوم على العلم الواعى بصفة شبه الجزيرة العربية وبأنساب القبائل، وفوق هذا كله اللغة والنحو. وقد روى تلاميذه عنه هذه الملاحظات النقدية فوجدت سبيلها إلى كتب الشراح المتأخرين. فعلى الأساس الذى وضعه الأصمعى أعد تلاميذه ابن حبيب وعلى بن عبد الله الطوسى ثم السكرى خر الأمر الصورة النهائية لدواوين الشعر.
ونستطيع أن نخرج بفكرة عن ذوق الأصمعى الأدبى من الاثنتين والسبعين قطعة من شعر الشعراء الجاهليين وشعراء صدر الإسلام التى جمعها فى