ولاشك أن بعضها فيه ملامح موثوق بها عن شخصيته، ومن ذلك ما روى من أنه أصر على أن يعيش عيشة الفقراء فى أوج حياته العملية على الرغم من أنه كان يملك مالا كثيرًا. وقد نأى عما أثر عن الفرس من ترف وآثر الحياة البسيطة التى تنسب فى الروايات لعمر ابن الخطاب والحسن البصرى إذ كانت تمثل له الأسلوب العربى الخالص فى المعيشة (انظر الجاحظ: البلغاء، طبعة الحاجرى، ص ١٨٦). ولاشك أن الأقوال العديدة التى رواها عن عامة البدو رجالا ونساء كان المقصود بها ألا تبين بلاغة هؤلاء القوم البسطاء فحسب بل تبين أيضا ماتتميز به حياتهم البسيطة من تقوى خالصة. وإن جنوحه إلى الرثاء الوجدانى الجياش بالعواطف -حتى إنه لم يرو فيما يقال شعرًا فى الهجاء قط- يتفق مع تمجيده للجنس العربى استجابة لمشاعره الدينية. وفى الأخبار: وهو ينقل فيما حدّث به من أحاديث صحيحة عن الحسن البصرى، ومما يتفق مع روحه التى ذكرناها له، تلك الأحاديث العديدة التى تحدث بها بادئًا بعبارة: سمعت بدويًا يقول فى صلاته. وفى كتب الكتاب المتأخرين تسيطر هذه السمات الشعورية على شخصية الأصمعى، ونحن نجدها فى القصة الخيالية التى قيلت على لسانه فى أحاديث ابن دريد الخيالية (انظر القالى: الأمالى، الطبعة الأولى جـ ٢، ص ٧). وفى "محاضرات الأبرار" لابن العربى يحدث فقيه البصرة اللغوى حديث معاصره المصرى الصوفى ذى النون حول لقاءاته مع البدو الفقراء والصبيان الذين كشفوا له عن أسرار الحب الإلهى فى بصيرة عجيبة خارقة (انظر الكتاب المذكور، جـ، ص ٨١، ١٣٣)، ويتفق معاصروه السنيون والكتاب المتأخرون على أنه كان سنيًا محافظًا. ويقول إبراهيم الحربى المتوفى سنة ٢٨٥ هـ (٨٨٨ م) إنه لم يكن بين فقهاء اللغة البصريين من أنصار السنة الصرحاء إلا أربعة، كان أحدهم الأصمعى (انظر تاريخ بغداد، جـ ١٠، ص ٤١٨؛ ابن الأنبارى، ص ١٧٠) وتستدل الرواية على تقواه بشاهد هو أنه كان يتجنب